تتعامل حركة المقاومة الإسلامية حماس بكل مسؤولية واقتدار – وفق مراقبين- مع القضايا الوطنية التي تمثل الثوابت الأساسية للقضية الفلسطينية، إذ إنها لا تدخر جهدًا في سبيل الحفاظ عليها، أملًا بالوصول إلى نقطة النهاية وهي تحرير كل فلسطين التاريخية.
وفي الـ 18 أغسطس/ آب عام 1988، أعلنت حماس ميثاقها الذي أكدت فيه أنه "لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد"، وكانت أبرز بنوده: عدم التفريط بالثوابت الوطنية الفلسطينية مهما كلّف ذلك من ثمن.
اقرأ أيضًا: العامودي: انطلاقة حماس نبعت من حقّ شعبنا وضمير أمتنا
وفي مقدمة القضايا الوطنية: "القدس، واللاجئين، والأسرى، والمقاومة، والأرض"، ولطالما قدمت حماس من أجلها كل ما تملك، وطوّرت أساليبها، بُغية تحقيق حلم الشعب الفلسطيني بكنس الاحتلال عن أرضه.
فقضية القدس كانت ولا تزال بؤرة الصراع بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال التي تحاول دائمًا الاستفراد بالمدينة والمسجد الأقصى وجعلها "عاصمة يهودية" مزعومة، وذلك عبر سلسلة من الجرائم ضد المقدسيين والاقتحامات اليومية لباحات الأقصى، وهو ما ترفضه حماس وأخذت على عاتقها إسناد المدينة المقدسة بكل ما تملك من أدوات ووسائل.
ومع اشتداد الهجمة الإسرائيلية ضد أحياء مدينة القدس وخاصة الشيخ جراح، عام 2021 الماضي، خاضت حماس ومعها الفصائل معركة أسمتها "سيف القدس" في شهر مايو من العام ذاته، رفضًا لجرائم قوات الاحتلال والمستوطنين وإسنادًا للمقدسيين في معركتهم البطولية.
ويعلق الكاتب والمحلل السياسي د. إبراهيم حبيب، بقوله: "قضية القدس هي البوصلة لكل الشعب الفلسطيني".
وأضاف حبيب لصحيفة "فلسطين": إنّ "حماس وقيادتها تعلم الطريق والإستراتيجية الصحيحة في سبيل القضايا الرئيسية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها القدس".
وعدَّ أنه "لم يكن مفاجئًا أن تقدم حماس ومعها الفصائل على مواجهة الاحتلال دفاعًا عن مدينة القدس، لطالما عاهدت الشعب الفلسطيني أن تبقى وفية تجاه قبلة فلسطين الأولى".
ولم تدّخر حماس جهدًا في سبيل تطوير قدراتها العسكرية التي مرّت بعدة مراحل، في سبيل مواجهة الاحتلال، حتى أصبحت قادرة على إنتاج أسلحة قادرة على قض مضاجع الاحتلال، حسبما يرى حبيب.
ويُذكر أنّ عمليات المقاومة المسلحة بدأت تتطور في عام 1996، لكنها أخذت منحًى آخر في مطلع عام 2001 أي بعد أشهر من اندلاع "انتفاضة الأقصى"، من حيث تطوير سلاح الصواريخ بأدوات بسيطة، وصولًا لمنظومة الصواريخ التي تغطي كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في الوقت الراهن.
وبحسب حبيب، فإنّ ما وصلت إليه المقاومة الفلسطينية في الوقت الحالي أشبه بـ"منظومة عسكرية نظامية".
اقرأ أيضًا: قائد في كتائب القسام يتحدث عن محطاتها العسكرية في ذكرى انطلاقة حماس الـ35
ومن أجل إنجاح العمل العسكري المقاوم، أعادت حماس ومعها الفصائل الأخرى تشكيل "غرفة العمليات المشتركة" في يوليو/ تموز عام 2018، من أجل مواجهة الاحتلال بشكل موحد ومنظم، إذ يُعدُّ التنسيق العسكري الميداني أعلى صور التعاون التي ميّزت العلاقات المتبادلة بين أجنحة المقاومة.
ورأى حبيب أنّ "حماس باتت رائدة العمل المقاوم في كلّ فلسطين، بما فيها الضفة الغربية التي لها بصمة فيها، رغم الضغوط والملاحقات التي تتعرض لها نتيجة الملاحقات الأمنية من السلطة والاحتلال".
وفي ملف الاستيطان ومخططات الاحتلال لقضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، ساندت حماس أهالي الضفة عبر تنفيذ جُملة من العمليات البطولية داخل تلك المستوطنات، فضلًا عن التنديد المستمر وتنظيم الفعاليات الرافضة لهذه السياسة العنصرية.
ويعلق الكاتب والمحلل السياسي أيمن الرفاتي على ذلك، بقوله: "على مدار تاريخ حركة حماس يتضح جيدًا كيف كانت تولي القضايا الوطنية وقضايا الصراع مع الاحتلال اهتمامًا كبيرًا".
وأضاف الرفاتي لـ"فلسطين"، أنّ عمل حماس الجهادي والمقاوم في قطاع غزة والضفة الغربية يحمل أهدافًا واضحة لجعل ثمن الاحتلال كبيرًا وخاصة في المستوطنات التي كانت محطة مهمة لعملياتها؛ ما دفع رئيس وزراء الاحتلال حينها أرئيل شارون إلى الهرب من قطاع غزة عبر خطة الانسحاب من غزة ومن بعض مستوطنات الضفة".
وبيّن أنّ العمليات الفدائية لحماس في المستوطنات كان لها تأثير كبير على تمدد دولة الاحتلال، إذ تَوقّف الاحتلال عند قطاع غزة، بل واندحر من القطاع، وبات يخشى من قوتها في غزة.
وأوضح أنّ معركة الشجاعية خلال معركة العصف المأكول عام 2014 آخر عملية برية له، لاقى فيها مرارة الذل وانكسرت بعدها شوكة قوته البرية، وبات ذراع البرّ من أضعف الأذرع في الجيش.
وأشار إلى أنّ العمليات الفدائية في قطاع غزة وعلى حدوده مع الأراضي المحتلة سنة ١٩٤٨ كانت مؤثرة جدًّا لدى أبناء الشعب الفلسطيني، إذ أدت إلى تغذية روح المقاومة، ورسّخت لدى الشرائح المختلفة من الشعب أهمية العمل المقاوم وأنه السبيل الوحيد لتحرير فلسطين.
وفي قضية الأسرى داخل سجون الاحتلال، فإنّ حماس لم تتركهم فريسة للإجرام الإسرائيلي، وتُصر على الإفراج عنهم، ففي عام 2006 أسرت الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عملية عسكرية نوعية، واستمرت باحتجازه خمس سنوات.
وفي الـ 18 من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011، أبرمت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس مع سلطات الاحتلال برعاية مصرية صفقة "وفاء الأحرار"، أُفرج بموجبها عن 1047 أسيرًا من مختلف الفصائل وأصحاب الأحكام العالية.
ولم يقتصر الأمر عند إبرام الصفقة فقط، بل قطعت على نفسها عهدًا أن تبقى قضية الأسرى على سلم أولوياتها حتى تتبيض السجون، فقد أعلنت "القسام في 20 يوليو/ تموز 2014، أسرها الجندي شاؤول آرون خلال معركة "العصف المأكول"، في حين جرى الإعلان عن وجود ثلاثة جنود آخرين في قبضة المقاومة، وما زالوا محتجزين حتى اليوم؛ ما زاد الأمل لدى الأسرى في السجون بإبرام صفقة ثانية.
ويؤكد مدير مكتب إعلام الأسرى أحمد القدرة، أنّ حماس تعاملت مع ملف الأسرى بكل مسؤولية ووفاء واهتمام، وهذا ما يلمسه الأسرى في سجون الاحتلال، مشيرًا إلى أنّ "وفاء الأحرار" أحيَت الأمل لديهم وعائلاتهم بصفقة أخرى قريبة.
وأوضح القدرة لـ"فلسطين"، أنّ الحركة منذ انطلاقتها وهي تسعى جاهدة لأسر الجنود، من أجل إنقاذ الأسرى في سجون الاحتلال، لكونها تعتبر قضية إنسانية وطنية كبيرة.
وبيّن أنّ الأمل ما زال حاضرًا لدى الأسرى خاصة من أصحاب الأحكام العالية على حماس وفصائل المقاومة، لإبرام صفقة ثانية مشرفة، داعيًا للإسراع بها خاصة في ظلّ ما يتعرض له الأسرى من جرائم متواصلة من إدارة السجون.
أما عن حق عودة اللاجئين الذين هجّرهم الاحتلال وفرّق شملهم إلى دول عربية متعددة عام 1948 إلى أراضيهم، فقد وضعت حماس تلك القضية أمام عينيها، حيث أطلقت العديد من الفعاليات والحملات الداعمة للاجئين في مختلف أماكن وجودهم، تأكيدًا لحقهم في العودة لبيوتهم التي هُجّروا منها.
ومن أبرز الفعاليات التي رعتها حماس ومعها الفصائل الفلسطينية، هي المسيرات الشعبية التي انطلقت في 30 مارس/ آذار عام 2018، بمشاركة عشرات آلاف المواطنين بمحاذاة السياج الفاصل شرق قطاع غزة، تأكيدًا لحق العودة.
ويُعقّب المختص في شؤون اللاجئين خالد السراج على ذلك، بالتأكيد أنّ قضية اللاجئين في المخيمات الفلسطينية كانت ضمن الثوابت الأساسية لحركة حماس، والتي لا يُمكن التراجع عنها، وهو ما عبّرت عنه في ميثاقها الداخلي.
وأوضح السراج لـ"فلسطين"، أنّ التركيز على القضية جاء من خلال تأكيد حقّ العودة وعدم التنازل عنه، وذلك عبر تنفيذ مجموعة من الفعاليات والأنشطة باستمرار، مستدلًّا بإطلاق أسماء البلدات الفلسطينية المُهجّر أهلها على كثير من مناطق قطاع غزة.
كما اعتبر انطلاق المسيرات الشعبية "دليلًا قاطعًا" على تأكيد حقّ العودة ورسالة لكلّ المحبطين الذين يحاولون التشويش على أهدافها، لافتًا إلى أنّ حماس سعت إلى تحسين حياة اللاجئين في مختلف أماكن وجودهم.
وأكد أنّ حماس تعمل على تعزيز صمود اللاجئين وتحسين ظروف حياتهم المعيشية حتى عودتهم لأراضيهم التي هُجّروا منها.