تحتفل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بذكرى انطلاقتها التي تحمل رقم (٣٥)، قبل ثلاثة عقود ونصف كان الانطلاق الأول ولم يكن يتخيل أحد أن هذا الاسم المحمل بمعان ودلالات لا تكاد تحصى سيملأ ساحات الوطن الفلسطيني المحتل بروح المقاومة، وبأعمال المقاومة الفذة. اليوم إذا ذكرت المقاومة في فلسطين احتلت حماس المركز الأول، والمركز الأكثر تقدمًا وإبداعًا، والأكثر عطاء، والأكثر إلهامًا، والأكثر حرصًا على العمل الوطني الموحد الجامع للساحات، في شراكة تحترم الشركاء دون استعلاء، وبدون فخر أجوف.
الكل الوطني يجتمع مع حماس في المبادئ الوطنية، والعمل للتحرير وتقرير المصير، واعتماد مشروع المقاومة طريقًا مستقيمًا يوصِل إلى الغاية الرئيسة دون التواءات أوسلو. ثمة من زعموا أن طريق التحرير والدولة يمرّ بمفاوضات مباشرة مع (إسرائيل)، والاعتراف بها، والتطبيع معها، ولكن تجربتهم هذه فشلت فشلًا ذريعًا، رغم ثلاثة عقود من التجربة والمزاعم الفارغة.
المقاومة ليست غاية، بل هي وسيلة، والغاية التحرير وتقرير المصير. والمفاوضات ليست غاية، بل وسيلة ينبغي أن تحقق الغاية نفسها: أي التحرير وتقرير المصير. وهذا يعني أن المقاومة والمفاوضات يلتقيان في الغاية، والخلاف في الوسيلة، وهنا يجدر مراجعة الوسائل ومدى مطابقتها لشروط التحرير وتقرير المصير، فإذا ثبت لدينا فشل وسيلة المفاوضات فيجدر تركها وتعزيز وسيلة المقاومة.
وإذا كانت المقاومة قدر الشعب الفلسطيني تاريخيًّا منذ النكبة، فإن الخروج من هذا القدر ينبغي أن يكون لما هو أفضل منه. ولكن الخروج منه لأوسلو كان خروجًا سيئًا مخالفًا للتاريخ، ولتجارب الأمم. لقد كان خروجًا أراح الاحتلال من تكاليف البقاء تحت سوط المقاومة.
الانطلاقة (٣٥) تحمل رسائل عديدة يمكن مقاربتها في مقالات متعددة، ولكن لعل أهم رسالة يمكن أن تقال على المستوى الفلسطيني الداخلي هي الرسالة التي تقول لسدنة المفاوضات الفاشلة والعبثية، كفى زعمًا، وتسويفًا، فقد وصلتم في تجربتكم إلى نهاية الطريق، وقد أظلتكم حكومة صهيونية جديدة هي الأكثر تطرفًا ممن تقدمها، وهي لا تختفي خلف لغة دبلوماسية أو معادلات سياسية ذات أوجه، بل تقول لكم وللكل الفلسطيني: لا مفاوضات سياسية ولا دولة، ولا وقف للاستيطان، والضم قادم، والأقصى قسمة بيننا وبينكم، وما تبحثون عنه من دولة يمكن أن تجدوه عند العرب، وفي أرض العرب، لا عندنا.
رسالة حماس في هذه الانطلاقة لفتح والفصائل والسلطة هيا نتصالح على مقاومة المحتل، وهيا نقتسم ضريبة التحرير معا، فنحن جميعًا أمام حكومة صهيونية متطرفة ترفض وجودنا. إن من يعاند التحولات التي تلت أوسلو عبر ثلاثين عامًا يكرس الفشل، ويكرس الانقسام، ويعطي العدو ما يريده، هيا نتصالح ونتوحد على كلمة سواء، وبرنامج مفيد.