فلسطين أون لاين

حركة حماس في انطلاقتها الخامسة والثلاثين

تحتفي حركة المقاومة الإسلامية حماس هذه الأيام بذكرى انطلاقتها الخامسة والثلاثين، وسط تحديات كبيرة ما زالت تواجه القضية الفلسطينية، وإصرار فلسطيني على مراكمة القوة، ومواجهة تغوُّل الاستيطان الصهيوني في الضفة، وتصاعد تهويد المقدسات في مدينة القدس المحتلة، وتحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال.

نجحت حركة حماس خلال السنوات الأخيرة في مراكمة قوتها العسكرية، من خلال بناء منظومة عسكرية متكاملة هي الأقرب إلى أنظمة الجيوش النظامية، من حيث الانتشار الأفقي والبناء العمودي، والمكونات العسكرية المعتادة من السرايا والكتائب والألوية ذات الاختصاصات المتنوعة، وبناء وحدات عسكرية متخصصة بدءًا من الضفادع البشرية، مرورًا بأنظمة الاتصال الآمنة، والوحدات البرية، والدفاع الجوي، وصولًا إلى منظومة الأنفاق الدفاعية والهجومية التي تميزت بها المقاومة الفلسطينية، ووحدات السايبر التي حققت إنجازاتٍ نوعيةً على الصعيد التقني، والمنظومة الصاروخية التي أضحت تغطي سماء فلسطين المحتلة، ووحدات الطائرات المسيرة، ووحدات الظل التي نجحت في الاحتفاظ بالأسرى من جنود الاحتلال سنوات متواصلة دون تمكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من الوصول إليهم أو تحريرهم، على الرغم من أنها تراقب على مدار الساعة سماء غزة، وشبكتها الهاتفية والخلوية.

كما نجحت حماس في تشييد قلعة للمقاومة الفلسطينية في محافظات غزة، وهيأت الأسباب لإيجاد بيئة خصبة لتنامي الأذرع العسكرية لقوى المقاومة الفلسطينية في غزة من مختلف الأطياف السياسية، وأسهمت في تقديم مختلف أنواع الدعم لتلك الأذرع العسكرية، في تطبيق عملي على أن حركة حماس كانت وما زالت حركة تحرر وطني تسعى إلى بناء القوة العسكرية للشعب الفلسطيني، وصولًا إلى يوم التحرير.

وعلى صعيد هدفها الإستراتيجي بتوحيد ساحات المواجهة مع الاحتلال، وامتداد المقاومة إلى خارج ساحة غزة، نجحت حماس في إعادة استنهاض الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده نحو خيار المقاومة، وبات الاحتلال يخشى من مشاركة فلسطينيي الداخل المحتل في مقاومة الاحتلال، وأضحت المجموعات العسكرية التي ترفع راية المقاومة تنتشر في مختلف مدن الضفة المحتلة، ولا سيَّما محافظتي جنين ونابلس، وتنفذ عمليات فدائية متنوعة على امتداد مدن الضفة والقدس وبلداتهما ومخيماتهما، ولسان حالها يقول إن قلعة غزة الحصينة باتت تجسد اليوم واقعاً ملموساً في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس، وإن المقاومة تمكنت من إعادة تنظيم صفوفها، وإيلام الاحتلال بعمليات نوعية، وصلت إلى ذروتها مع تنفيذ عمليات تفجير داخل القدس المحتلة، متجاوزةً الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وأذرعها الفلسطينية التي تتفاخر بتعاونها الأمني مع الاحتلال، وترقب كل صغيرة وكبيرة في الضفة، وتلاحق أنصار المقاومة الفلسطينية، دون أن تتمكن من هزيمتها أو الحد من عملياتها البطولية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، في تقويضٍ عملي لمشروع الاستيطان الصهيوني الذي تضاعفت قوته بالضفة والقدس بفعل التنسيق الأمني المهين طيلة السنوات الماضية.

وعلى الصعيد السياسي باتت حركة حماس اليوم على الرغم من حظر السلطة الفلسطينية غير المعلن لها، واعتقالات جيش الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية لأبنائها وأنصارها في الضفة المحتلة، فإنها باتت اللاعب الأبرز في الساحة الفلسطينية، وأضحت تمثل طليعة القوى الفلسطينية التي تلقى احتضانًا شعبيًا وتأييدًا جماهيريًا واسعًا، وفق استطلاعات الرأي، ومنها استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله في يونيو الماضي، وأظهر أنّ نسبة التأييد الشعبي لحركة حماس قد ارتفع، وأن غالبية أبناء الشعب الفلسطيني يرون أنها الأجدر بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، كما أن نتائج الانتخابات النقابية والطلابية وفي مقدمتها انتخابات جامعة بيرزيت التي حققت فيها حركة حماس فوزًا كبيرًا تؤكد التأييد الكبير الذي تلقاه حركة حماس في الشارع الفلسطيني، ولا سيما جيل الشباب.

وعلى صعيد علاقاتها الخارجية، فقد حرصت حماس على تعزيز علاقاتها مع مختلف الدول والأنظمة، وأكدت عدم تدخلها في الشأن الداخلي لأيٍ من الأقطار، وحرصها على عدم الاصطفاف السياسي ضد أي طرف، وفي هذا الإطار، نجحت في تنظيم زيارات إلى كلٍ من الجزائر والمغرب وتركيا وإيران ولبنان، ونجحت في إعادة ترميم علاقاتها السياسية مع مصر وسوريا، وأرسلت رسائل ودية إلى دولتي السعودية والإمارات لطي الخلافات السياسية السابقة، ونسجت علاقات على الصعيد الدولي مع: ماليزيا وإندونيسيا وروسيا وجنوب إفريقيا، وغيرها من الدول، في دلالة على نجاحها الدبلوماسي، وسعيها نحو تحشيد الدعم السياسي والدبلوماسي لصالح القضية الفلسطينية.

وفي إطار المصالحة الفلسطينية، فقد تجاوبت حماس مع كل الجهود السياسية، ولبَّت جميع الدعوات، وحرصت على إبقاء الباب مفتوحًا تجاه المصالحة الداخلية، وعضَّت على الجراح حين غضَّت الطرف عن الملاحقات الأمنية التي تقوم بها أجهزة السلطة الفلسطينية على مدار الساعة ضد أبناء حماس في الضفة المحتلة، في تعبير عن إيمانها بالشراكة السياسية، ورغبتها الصادقة بطيِّ صفحة الانقسام، وترميم البيت الفلسطيني الداخلي.

وفي غزة نجحت حماس في الصمود، على الرغم من الحصار الإقليمي المتواصل منذ فوزها الكبير في الانتخابات التشريعية عام 2006م، وتجاوزت المعوقات المفتعلة، والتي تستهدف إفشالها في إدارة الشأن العام في غزة، وتمكنت من فرض الأمن، وتوفير الحد الأدنى من رواتب الموظفين العموميين، والموازنات التشغيلية للمؤسسات الحكومية، بما يعزز صمود حاضنتها الشعبية، ودوران عجلة الاقتصاد، على الرغم من الحصار.

من ناحية أخرى فإن حماس لم تغفل التحديات الكبرى التي تواجهها في غزة، وتداعيات الحصار التي ضاعفت من مشكلات الفقر والبطالة، وأنتجت بعض الظواهر المجتمعية السلبية في غزة، لذا فقد حرصت على الإعلان بالتزامن مع انطلاقتها عن رزمة مساعدات إغاثية بمليوني دولار في غزة، من بينها مشاريع ترميم مئات البيوت بقيمة خمسة آلاف دولار لكل منزل، وتزويج مائة عريس بمساهمة إغاثية قدرها أربعة آلاف دولار لكل شخص منهم، وترميم مائتي منزل بقيمة ثلاثمائة دولار للمنزل، في إشارة إلى سعيها للتخفيف من معاناة المواطن الفلسطيني في غزة.

ختامًا فإن حماس حرصت من خلال حفل انطلاقتها لهذا العام على إرسال رسالة تحدٍّ للاحتلال الصهيوني، إذ رفعت شعارًا "نحو القدس، آتون بطوفان هادر"، وهي رسالة تحذير للاحتلال بأن المقاومة الفلسطينية ستستمر في التصاعد، وتنفيذ العمليات الفدائية بمختلف أشكالها حتى دحر الاحتلال عن مدينة القدس المحتلة.