على مدار أيام المونديال منذ بدأ يوم 20 من شهر نوفمبر الماضي وحتى قبل نهائيته يوم 18 من شهر ديسمبر الحالي، تجلت عدة حقائق على أرض الواقع، لا يستطيع أحد مهما علا شانه ولا تستطيع دولة مهما بلغ حجم حقدها على العرب والمسلمين أن يُنكروا حقيقة واحدة منها بل أصغر حقائقها، ومن بينها أن قطر أثبتت أنها أكبر بكثير من حجم دولة صغيرة، وأن قطر ليست مُجرد دولة بما قدمته ولا زالت في هذه النسخة الأكبر والأفضل في تاريخ المونديال السابق واللاحق.
ولكن الحقيقة الأكبر التي تجلت في مونديال قطر، أن الفائز بكأس البطولة قد تم تتويجه في اليوم الأول للبطولة وقبل المباراة النهائية، وهي فلسطين وقضيتها العادلة وشعبها المكلوم الذي لا يزال يحمل صفة أنه الشعب الوحيد في العالم الذي لا زال يخضع للاحتلال.
ربما قال البعض وسيقول أننا كفلسطينيين وكعرب وكمسلمين بالغنا ونُبالغ في وصف الحدث، وقد يكون ذلك من الناحية الشكلية، ولكن من ناحية المضمون فالأمر مختلف تماماً، لأن طبيعة كرة القدم فيها الفائز والمهزوم، وفي نهايتها يتم تتويج منتخب الدولة الفائزة في المباراة النهائية، فكيف لفلسطين أن تفوز بكأس العالم وهي الدولة التي لا يتأهل منتخبها لنهائيات المونديال.
إن ما حدث في قطر أكبر بكثير مما وصفناه بكلمات، حيث لم يحظ علم من أعلام دول العالم المُشاركة وغير المشاركة في المونديال، بما حظي به علم فلسطين واسم فلسطين والكوفية الفلسطينية والأغاني الوطنية الفلسطينية التي زات بها حناجر العرب والمسلمين والأصدقاء سوياً مع أبناء الشعب الفلسطيني المتواجدين في قطر.
وعندما كتبنا وقلنا بأن فلسطين فازت بكأس العالم وهي التي لم تُشارك فيه كروياً بمنتخبها، لم يكن ذلك من باب مواساة انفسنا كفلسطينيين بقدر ما شعرناه من دعم غير مسبوق للقضية الفلسطينية وبقرار قطري علني غير مستتر، رغم أن ذلك وضع وسيضع قطر في موقف دبلوماسي غير مرغوب به دولياً، وهي تعلم ذلك تمام المعرفة.
لقد افتتحت قطر المونديال قبل يوم على انطلاق أولى مبارياته بافتتاح منطقة الجماهير في الدوحة بفرقة فنون وتراث شعبي فلسطيني وبأغاني ودبكة وطنية فلسطينية بامتياز، فاجأت فيه فلسطين وشعبها قبل أن تُفاجئ به العالم، وهي تعلم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يحظر الخلط بين السياسة والرياضة، ولكنها كانت تعلم بأن ما قامت به ليس خلطاً للسياسة بالرياضة، بقدر ما خلط للرياضة بالحقوق.
نعم نحن لم نُبالغ، ولم نُضخم ما حدث، لأن ما حدث ضخم في أصله ولا يحتاج لمزيد من التضخيم، فجماهير العرب عموماً وجماهير المنتخبات العربية المُشاركة في المونديال على وجه الخصوص عبروا عن ما يجول في قلوبهم وصدورهم من حب لفلسطين وقضيتها وشعبها، وأكدوا على أن انها القضية المركزية الأولى في الوطن العربي، وهو ما لمسه القاضي قبل الداني.
فقد عبرت وسائل إعلام صهيونية ووسائل إعلام مساندة للصهاينة وجرائمها الواضحة بحق الشعب الفلسطيني، عن انزعاجها من هذا الدعم اللامحدود للقضية الفلسطينية، لا سيما الإعلام العبري الذي أغاظه استنكاف المواطن العربي عن التعامل معه بل ووصول ردود الفعل إلى رفض التواجد الإعلامي الصهيوني على الأرض القطرية ولكن بطريقة أخلاقية لم يكن فيها أي اعتداء مادي على المراسلين الصهاينة.
لقد اعترفت صحيفة أمريكية بأن فلسطين وعلمها وقضيتها طغت على كأس العالم نفسه، وهذا بحد ذاته اعتراف بالهزيمة واعتراف بان الحقوق لا تضيع بالتقادم وأن الأجيال العربية لم ولن تنسى فلسطين ولا حقوق الفلسطينيين في الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الرض الفلسطيني التي اغتصبتها قطعان المستوطنين والجيش الجبان الذي يحميهم.
أعتقد أن أي مُنكِر لحقيقة ان فلسطين فازت بكأس العالم دون أن تُشارك به، سيُغير رأيه هذا عن لم قد غيره أصلاً.. عاشت فلسطين حرة عربية إسلامية وعاشت القدس عاصمتها الأبدية.