دأبت مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية على دراسة المتغيرات التي تطرأ على حركات التحرر بعد كل سلسلة من إجراءات التضييق والملاحقة، وهي في كل مرة ترسل شخصية أكاديمية أو شعبية أو قريبة من الدوائر الرسمية، لتلتقي بقادة تلك الحركات فتستمع إلى تطلعاتهم؛ التي تفهمها على أنها خططهم المستقبلية، وتلاحظ مدى ليونتهم؛ التي يحرص أولئك القادة على التظاهر بها؛ والتي يفهما الزائرون على أنها تمثل الحد الأدنى الذي يقبل به القادة في تلك المرحلة. ويتباحثون معهم سبل تحقيق مطالبهم، وهو مدخل ليتقدم الزائرون ببعض العروض التي لا تصطدم مباشرة بثوابت القادة، فيشرع هؤلاء بدراسة تلك العروض وهو ما يُسفر عن تشكيل عقلية براغماتية قابلة للتعاطي مع أي طرح لا يؤثر مباشرة على مبادئهم. بينما يعود أولئك الزائرون إلى بلادهم فيضعون كلمات القادة موضع الفحص والتحليل ليلاحظوا مدى التغير الذي طرأ على مواقفهم بعد كل جولة من التضييق، فإن لاحظوا أي تطور إيجابي يصب تجاه السياسة الغربية، يعتبرونه نجاحًا نسبيًا فيعكفون على إعداد جولة تالية من التضييق والملاحقة والدعاية تضاعف نسبة التغيير في موقف قادة حركات التحرر، وهكذا، حتى تجد حركة التحرر نفسها بعد سنوات وقد تقلصت طموحاتها وابتعدت عن أهدافها الأولى.
إن هذا بالضبط ما تعرضت له حركة فتح منذ سنوات السبعينيات وما بعدها، والعاقل مَن اتّعظ بغيره؛ فقد جاءت بعثة البروفيسور روجر فيشر في أيلول 1970، وأعلنت أن هدفها إشراك الفلسطينيين في الحوار الدائر حول أزمة الشرق الوسط وصولًا لتحقيق تسوية سياسية، وهي " تريد أن تعرف ما هو الحد الذي يمكن أن تقبل به الثورة الفلسطينية كبديل عن الكفاح المسلح".
كما كُلِّف روبرت إيمز: رئيس قسم وكالة المخابرات الأمريكية في بيروت: لإيجاد علاقة مع فتح تبرِّئ ساحة أمريكا من ادعائهم بأن واشنطن لا تسمع لهم، مما يدفعهم إلى تملُّق الاتحاد السوفييتي، ولأجل ذلك بدأ اتصاله في عام 1972 وجرى في عام 1976م أول اجتماع سري للغاية بين روبرت إيمز وياسر عرفات في بيروت.
وفي 3/11/1973 أُرسل الجنرال فيرنون وولترز، نائب مدير وكالة المخابرات الأمريكية، ليلتقي خالد الحسن وماجد أبو شرار في الرباط بالمغرب، وكانت مهمته تقضي بجس نبضهم، وأفكارهم السياسية بشأن الاعتراف بإسرائيل، والعلاقة المستقبلية مع الأردن.
كما كُلف ملحق في السفارة الأمريكية في القاهرة؛ لإجراء اتصالات مع مندوب منظمة التحرير: سعيد كمال، تركزت أسئلته على استطلاع توجهات المنظمة المقبلة.
وفي 28/3/1975م استقبل أبو عمار في بيروت جورج ماكغفرن، رئيس اللجنة الفرعية لشئون الشرق الأوسط في مجلس الشيوخ الأمريكي الديمقراطي، وشرح له أبعاد قرار إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية، وتمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، ومفهوم الدولة الديمقراطية. وأوضح ماكغفرن أنه لا يمكن تجاوز الواقع الفلسطيني أو تجاهله، وعلى السياسة الأمريكية أن تتجه لمعالجة القضية الفلسطينية وضرورة الاعتراف بالمنظمة، وضرورة قيام كيان وطني فلسطيني لأجل استقرار المنطقة.
وفي 22/6/1975م، استقبل أبو عمار في بيروت، وليم فولبرايت، الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي تحدث عن أمله في أن يتوافر النص القانوني الذي يؤمِّن كيانًا خاصًا للشعب الفلسطيني. وفي ديسمبر 1975م، أجرى مسئولون أمريكيون حوارًا سريًا، وغير مباشر، مع زعماء منظمة التحرير، بهدف حثهم على إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة بخصوص الموقف الذي يتوجب على الفلسطينيين اتخاذه في مفاوضات التسوية.
وفي منتصف 1977م حاول الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إسداء النصح لمنظمة التحرير بأن اعترافها بالقرار 242 سيهيئ مشاركتها في محادثات جنيف للسلام، فأرسل العديد من الشخصيات غير الرسمية، منهم ويليام سكرانتون، حاكم ولاية بنسلفانيا السابق، الذي التقى ممثلًا كبيرًا لمنظمة التحرير في باريس في شهر يوليو 1977م. ومنهم لاندروم بولنج، الذي قابل عرفات عدة مرات، وحمل منه رسالة إلى كارتر يشير فيها إلى أن المنظمة سوف تقبل القرار 242 إطارًا لمحادثات جنيف.