فلسطين أون لاين

والدته تقول بنبرة نشوة النصر لـ"فلسطين": "برّد قلبي وانتقم لأخيه"

تقرير راني أبو علي.. 20 عامًا لم تطفئ نار الثأر لدماء شقيقه الطفل

...
الشهيد راني أبو علي - أرشيف
طولكرم-غزة/ يحيى اليعقوبي:

قبل عشرين عامًا، امتلأت ملابسه بدماء شقيقه الطفل محمد ابن الأعوام التسعة، حينما حمله بين يديه وهو يسمع شهقات روحه الأخيرة، محاولا الوصول به لسيارة تنقله للمشفى، وإيقاف النزيف بعدما أعدمه أحد جنود الاحتلال أمامه أثناء اجتياح مدينة طولكرم عام 2002، وقد كان لم يزد عمره آنذاك على 20 عامًا.

قبل فترةٍ وجيزة، اشترى راني أبو علي- البيطار الذي يحمل تصريح عمل في الداخل المحتل مركبة جيب أسود اللون، لا يعرف أحد ماذا يفكر، لكن والدته كانت شاهدة على غضبته التي لم تنطفئ منذ إعدام جنود الاحتلال شقيقه، وعبر لها عن ذلك في زيارته لها في سبتمبر/ أيلول الماضي عندما مكث عندها شهرا كاملا.

صباح الثلاثاء الماضي، تقدم راني بمركبته أثناء سيره قرب مستوطنة "كوخاف هشاحر" شرقي محافظة رام الله، كما أظهر مقطع فيديو، عن مجندة إسرائيليةٍ أصبحت وراء مركبته، وتستعد للذهاب لدوامها في ثكنات جيش الاحتلال لكتابةِ فصلٍ جديد من الجرائم بحق أبناء شعبنا.

استدار الجيب ببطء ثم تسارعت عجلاته بقوة تحمل ثأرًا قديمًا وآخر جديدًا لدماء الشهيدين الشقيقين جواد وظافر الريماوي اللذين أعدمهما الاحتلال فجر اليوم ذاته، ونفذ عملية دهسٍ أصيبت على إثرها المستوطنة بجروحٍ خطيرة.

لحظات انتشرت صورته واسمه على مواقع التواصل الاجتماعي، علمت شقيقاته الخمس بالخبر، إلا والدته المريضة باضطراب تسارع نبضات القلب، فلم تدرِ بالخبر كونها بعيدة عن الوسائل الحديثة في نقل المعلومات والأخبار، إلى أن طرقت شقيقتها باب بيتها واصطحبتها لزيارة والدتهن المريضة.

أرادت شقيقتها تمهيد خبر تجرع الصدمة الثانية تدريجيا، عندما وصلتا لأمهن لتشاركها في تهوين الأمر، بدأت تقريب الخبر بإعلان استشهاد شاب من سكان محافظة طولكرم، فدعت له بالرحمة، قبل أن تخبرها أن الشهيد ابنها، فقابلت الصدمة بصبر ورضيت بقدر ربها، وجففتْ دمعها عندما علمت أنه نفذ عملية دهسٍ.

محاطة بأصواتِ معزين، لا تسمع من والدته إلا نشوة انتصار وكلمات فخر واعتزاز كانت أول ما نطقت به: "ابني برد قلبي، كان قلبه محترقًا على إعدام شقيقه أمامه، والآن رد الصاع للاحتلال، وثأر له ولدماء شهداء الضفة".

تربط بين جرح الماضي والحاضر، تعلّق: "استشهد شقيقه بين يديه، وفي يوم تنفيذ عمليته أعدم الاحتلال شقيقين، فتجددت نار الثأر لديه وانتقم للجميع".

لم يجد الانكسار مكانًا في قلبها، تتحدث لصحيفة "فلسطين" وهي تتعالى على فقدها، قائلة: "لو لدي أولاد سأرسلهم للمقاومة، هؤلاء قنابل في وجه الاحتلال، لا نبكي عليهم، هم فداءٌ للوطن ولفلسطين".

نار لم تُطفأ

تستذكر والدته زيارته لها التي استمرت شهرًا: "جاءني يطلب رضاي عليه متجاوزا بعد المسافة التي تفصلنا، كان قلبه محترقًا على قتل شقيقه".

وكان راني يعاني من مرض السكري المزمن، تشيد أمه بصفاته: "كان لا يحتك بالآخرين، لا يؤذي أحدًا، حتى أنني استغربت من تنفيذه العملية".

عن سيارته الجديدة، قالت: "لم يهنأ عليها بعد، ولا يزال يسدد ديونها، لكنه لم يبخل على الوطن فقاتل بنفسه وماله وكل ما يملك، لأجل فلسطين والأمة"، لافتة إلى أنه كان يعمل في الداخل المحتل.

يلتصق يوم إعدام طفلها في 13 مارس/ آذار 2002 بذاكرتها، تصف الجريمة بدموعٍ بللت صوتها "كانت جريمة بشعة، ابني محمد طفل صغير بالصف الثالث الابتدائي، قام الجندي الإسرائيلي بإخراج مسدسه وإطلاق الرصاص عليه، حمله راني وركض به لكنه استشهد، ورغم مرور السنين فإنَّ دماءه لم تجف بعد"، بعد عام توفي والده في حادث سير بالسعودية أثناء سفره لتأدية مناسك الحج، واليوم يرحل راني شهيدًا ويسد بدمائه الدين للاحتلال.