مع تصاعد التهديدات الأمنية والتحديات العسكرية حول الاحتلال، زادت أوساطه الاستخبارية من تقديراتها المتشائمة بشأن تصاعد هذه المخاوف، وعلى رأسها البرنامج النووي لإيران الذي يمضي قدمًا، ولكن دون إثارة غضب المجتمع الدولي، على حين تبيع مئات الطائرات دون طيار لروسيا، على الرغم مما تعدُّه صمتًا أمريكيًّا تجاه سلوكها في المنطقة، ما يدفع دولة الاحتلال للعمل بمفردها، وتتخذ قرارات تتعلق بأمنها، صحيح أن هناك دعمًا أمريكيًّا، لكنه ليس فعليًّا، يمكن تسميته صمت الموافقة.
آخر هذه التقديرات أصدرها رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي أهارون حاليفا، الذي أشار إلى الجبهة الشمالية، والعلاقة بين حزب الله وإيران، ودعم الأخيرة لروسيا في حرب أوكرانيا، والتخوف الإسرائيلي من تأثير ذلك في زيادة نشاطها العدواني في سوريا، فضلًا عن تصاعد التوترات الأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من الواضح أن التوقعات الذي كشفها حاليفا تعد مقلقة للأوساط الإسرائيلية، صحيح أن إيران تتقدم بخطوات صغيرة وسريعة نحو الأسلحة النووية، لكن مصدر قلقه أن العالم الراضي يقبل بهذا، وهو أمر مفروغ منه، ما يجعل دولة الاحتلال الوحيدة المستعدة للتحرك تجاهها، وهي بصدد إقناع الولايات المتحدة بالانضمام إليها، ولا سيما أن طهران عززت حزب الله بالصواريخ استعدادًا لمواجهة محتملة.
هذه الصورة المقلقة للتهديدات المحيطة بالاحتلال في المنطقة، لعل الجمهور الإسرائيلي يجهل وجودها، لكن ما يقلقه حقيقة أن المعسكر الغربي الموالي لأمريكا والأمريكيين أنفسهم، الذين يدركون تقدم إيران في المجال النووي، ونشاطها الإقليمي والعالمي، لا يفعلون شيئًا، مع أن زيارة قائد الجيش أفيف كوخافي للولايات المتحدة جاءت في توقيت حرج لا مثيل له.
هذه الصورة المتشائمة لا تعني أن الوقت لعملية عسكرية ضد إيران قد حان بعد، لكن من الضروري التحضير لها، وفق التوجهات الإسرائيلية، وإقناع الولايات المتحدة بالمشاركة فيها، أو مساعدتها بقدر ما تستطيع، خاصة أن إيران تسارع في شحن الأسلحة من سوريا للحزب كي تكون ذخيرة بحوزته إذا قرر التصرف بقوة ضد الاحتلال.
كما أن مسارعة إيران لإمداد الحزب بالأسلحة والصواريخ تقابله إصرار إسرائيلي على تدمير جزء كبير منها كجزء من إستراتيجية "المعركة بين الحروب"، مع استدراك إسرائيلي يبدو مهمًّا، ومفاده أنه في حال نشوب مواجهة عسكرية في المنطقة، فإن الاحتلال لن يتلقى مساعدات عسكرية من الدول المطبّعة.
الخلاصة الإسرائيلية أنها تتوقع صراعًا مستمرًّا في عدة ساحات في نفس الوقت في المستقبل القريب، لكن هذا الصراع سيكون منخفض الشدة، وليس حربًا شاملة، بعبارة أخرى، استمرار الهجمات في الضفة الغربية، وأحيانًا إطلاق صواريخ من غزة، واندلاع توتر من حين لآخر في سوريا ولبنان، وربما في إيران نفسها، وهي توقعات من شأنها تحدي الحكومة الإسرائيلية القادمة.