هي القدس التي يستهدفها الطامعون ببناء الهيكل المزعوم، وهي القدس التي تتزعم المقاومة على أرض فلسطين، إنها القدس التي تقاتل بما امتلكت من قوة معنوية، وقوة جسدية، فهذه المدينة ليست كبقية المدن، ولا هي عاصمة كبقية العواصم، ولا هي المدينة التي يسكنها قرابة مليون إنسان، ولا هي المدينة التي تعج شوارعها وضواحيها بالماضي والحاضر، وتسمع فيها صوت المؤذن، وأجراس الكنائس، القدس هي نبض روح المسلمين والمسيحيين العرب والفلسطينيين، وفي الوقت نفسه هي الرمز الزائف للسيادة الإسرائيلية، كما يزعمون.
التفجيرات في القدس تستهدف رمزية المدينة بالنسبة للعدو، وتحمل لهم الرسائل المرعبة، التي تزعزع الأمن، ومن فقد الأمن في قلب الاستيطان فقد الاطمئنان إلى الأطراف، وفقد الاستقرار الروحي، وفقد التطور والازدهار الاقتصادي، وانكمش يفتش عن وسائل السلامة والنجاة، وهذا ما أحدثه التفجيرات المتزامنة وسط التجمعات الصهيونية في القدس صباح الأربعاء 23/11/2022.
التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن العبوتين الناسفتين تحملان المركبات التفجيرية نفسها، وأن التفجير تم عن بُعد في كلتا العمليتين، وأن الجهة الفلسطينية التي تقف خلف التفجيرين، هي الجهة نفسها، وكل هذا يشير إلى وجود جهات تنظيمية، خططت للعملية، ثم رتبت، وأعدت، وجهزت، لتكون عملية القدس من بواكير المواجهة الجديدة، التي لم يشهد العدو مثلها منذ انتفاضة الأقصى قبل عشرين سنة.
وحتى كتابة هذا المقال، لم تعلن أي جهة فلسطينية مسؤوليتها عن التفجيرات، وأزعم أن عدم الإعلان تكتيك فلسطيني جديد، يترك العدو الإسرائيلي في حيرة من أمره.
تفجيرات القدس أدخلت الفرح على قلوب الفلسطينيين، وأدخلت الذهول والفزع إلى قلوب أعدائهم، الذين فاجأتهم طريقة التفجير وأماكن التفجير، وفاجأهم التوقيت، وهم الذين اتخذوا كل أشكال الحذر، إلا أن المفاجأة في تفجيرات القدس تكمن في الإرادة الفلسطينية، والإصرار على ابتداع وسائل المقاومة، والقدرة على صناعة المستحيل، ومن ثم الوصول إلى كل مكان حسب العدو أنه قد بات فيه آمنًا.
تفجيرات القدس لها جذور عميقة في أرض فلسطين، وهي تسير على خطى الأبطال عدي التميمي، ومحمد صوف والشهيد المعلم فادي أبو شخيدم، وغيرهم من مئات الشهداء الذي رسموا ملامح المستقبل بدمائهم الزكية.