قبل أيام وخلال لقاء جمع وزير المالية في حكومة رام الله شكري بشارة مع السيدة هيلدي هارالدستاد المبعوثة النرويجية لعملية "التسوية" في الشرق الأوسط حذر الأول من أن الوضع المالي مرشح لمزيد من التعقيد حال لم تفرج دولة الاحتلال (إسرائيل) عن الأموال الفلسطينية المحتجزة، وأكد أن الدعم الخارجي المقدم للخزينة الفلسطينية أقل من 1 % من الكلفة التشغيلية الشهرية، بينما كانت تغطي 30 % من هذه الكلفة قبل 8 سنوات.
بعد وصلة من الشكوى والتباكي الفلسطيني ومناشدة المجتمع الدولي للتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على لسان بشارة، ماذا كان رد مبعوثة النرويج لما يسمى بعملية التسوية؟ السيدة هيلدي أشادت بأداء الحكومة في كيفية التعامل مع الأزمات المتتالية والجهد الناجح في الارتقاء في مصادر الدخل والذي ساهم بشكل مباشر في الاستقرار المالي بالرغم من التحديات التي تواجهها.
المفروض أن تهتم مبعوثة التسوية باستقرار الأوضاع في المنطقة وبالأسباب الداعمة له، أما الإشادة بدور الحكومة في كيفية التعامل مع تلك الأزمات فهو ينم عن جهل غير مسبوق أو أنها تتجاهل أوضاع الفلسطينيين، حكومة رام الله لم تقم بإنشاء مشاريع اقتصادية لتعويض النقص الذي حصل بسبب قرصنة (إسرائيل) لأموال الضرائب الفلسطينية أو بسبب وقف الدعم الخارجي للسلطة الفلسطينية بنسبة 99%، فالحكومة ليس لديها مصادر دخل سوى جيوب المواطنين، سواء من الجمارك والضرائب أو الرسوم التي تفرض على المواطنين بحق أو بدون وجه حق، صمود الحكومة لا يعني أن الشعب الفلسطيني بخير، بل يعني أنه يزداد فقرًا مع كل اجتهاد حكومي في فرض المزيد من الأعباء المالية على الشعب بغض النظر تحت أي بند أو ذريعة كان، أنا أعتقد أنه في حال استمرار عوز وعجز الحكومة سيصل المواطن إلى مرحلة الإفلاس بل والصراخ وما يتبع ذلك من قلاقل تؤثر وبشكل مباشر على استقرار السلطة واستقرار الأوضاع داخل فلسطين، حيث إن النجاحات التي أشادت بها مبعوثة التسوية النرويجية هي من أهم الأسباب لفقدان الأمن والسلام وانتشار القلاقل بكل أشكالها، ولذلك ليس من الحكمة الانخداع لكلام مسؤول لا يدري ما يقول وإنما الحكمة تكمن في المعالجة الصحيحة للأزمة الاقتصادية التي يعيشها الشعب قبل الحكومة، فإن تعافى الشعب اقتصاديًّا تعافت الحكومة وإن عجز الشعب طارت الحكومة ومن خلفها السلطة بكل مكوناتها.