لم يكن مفاجئًا إعلان أذربيجان استعدادها لفتح سفارة لها بدولة الاحتلال بعد أن وافق برلمانها على اقتراح بذلك، مما يعكس عمق علاقتهما الممتدة لقرابة ثلاثة عقود، وشملت مختلف المجالات السياسية والأمنية والعسكرية، مع العلم أن لدى الاحتلال سفارة في العاصمة باكو، بينما افتتحت الأخيرة في تل أبيب مكتبين تجاري وسياحي، مما يكشف عن جزء من ملامح الاستراتيجية الدبلوماسية التي شرعت الأخيرة بتطبيقها في السنوات الأخيرة، وصلت ذروتها باتفاقيات التطبيع.
تصدرت أذربيجان قائمة الدول التي وضعها الاحتلال نصب عينيه، لاعتبارات عديدة، أولها موقعها الجيو-سياسي بالغ الأهمية الممتد فيما وراء القوقاز؛ مما جعلها "حديقة خلفية" لروسيا، وتغطي 48% من حاجيات الاحتلال من النفط والغاز، وهما يشكلان عماد الاقتصاد الأذري المتطلع لتنمية موارده منهما، بحكم الإطلال على بحر قزوين الذي يثير توزيع ثرواته الهائلة بين الدول الست المطلة عليه خلافات معقدة.
ثاني هذه الاعتبارات مجاورة إيران لأذربيجان جغرافيًا، ومشاركتها لها نفس المذهب، والتداخل العرقي على حدودهما المشتركة، لكن علاقتهما عرفت بعض التوتر، نظرًا لاختلاف الأنظمة السياسية بين علماني يسوس باكو، وآخر ديني يحكم طهران، فضلاً عن موقف الأخيرة من النزاع المسلح بين أذربيجان وأرمينيا، فضلا عن اعتبار ثالث يتعلق بأن أذربيجان سوق مهمة لصفقات الأسلحة المقدرة بمئات ملايين الدولارات؛ حيث وقعت عدة صفقات مع شركات صناعية عسكرية إسرائيلية، فضلا عن اعتبار رابع يرتبط بتعاونهما الاستخباراتي والأمني، وتبادل المعلومات السرية حول أعدائهما بشكل روتيني.
وقد أنشأت خارجية الاحتلال قسمًا جديدًا باسم "أوراسيا"، يضم دولاً، منها أذربيجان، مكونًا من 17 دبلوماسيًا من اليهود الروس، وكُلّفوا بتنمية العلاقات مع تلك الدول، بالتنسيق مع الموساد والاستخبارات العسكرية ومكتب رئيس الحكومة.
لم يأتِ التوجه الإسرائيلي نحو أذربيجان منقطعًا عن جذوره، بل منسجمًا مع سياستها التقليدية التي ابتدعتها منذ السنوات الأولى لإنشائها وعُرفت باسم "شد الأطراف"، وتقضي بإشعال الفتن، وخلق الأزمات العربية، مستغلة التنوع الإثني والعرقي والمذهبي لإثارة أصحابها ضد حكوماتهم المركزية، بهدف شل قدرات أطراف العالم العربي والإسلامي.
وقد ارتكزت سياسة شد الأطراف الإسرائيلية نحو أذربيجان، على عدة عناصر عرقية وعسكرية وسياسية، منها تأجيج اختلافاتها الإثنية والعرقية والمذهبية مع الدول المجاورة لها، لاسيما الاختلاف العرقي مع إيران، والمذهبي مع تركيا، رغم تحالف الأخيرة مع أذربيجان.
هذا يؤكد أن الاحتلال يسعى من تطبيقه سياسة "شد الأطراف"، في علاقته مع أذربيجان للوصول إلى مركز نفوذ في الشرق الأوسط، يتيح له التأثير بتشكيل الاستراتيجيات في مناطق العالم، وليس حصر نفسه في إطاره الجغرافي، فضلاً عن التحرك بالتوازي مع الاتجاه الأميركي لبلاد آسيا الوسطى الإسلامية، لإيجاد وجود إسرائيلي قوى فيها، وإقامة حواجز أمام وصول النفوذ العربي والإسلامي إليها.