اعترف الكتاب والمفكرون الإسرائيليون بسقوط الجنرالات الإسرائيليين في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، واعترفوا أن صوت الناخب الإسرائيلي لم يعد مضموناً ومحسوماً لصالح جنرالات الجيش، وضربوا مثلًا على ذلك حزب المعسكر الوطني، الذي ضم وزير الحرب غانتس، ورئيس الأركان جادي أيزنكوت، وآخرين من جنرالات الجيش، ولكن الكتاب لم يكشفوا السر الكامن وراء سقوط الجنرالات، ولم يتحدثوا عن الأسباب الحقيقية الكامنة خلف فوز المتطرفين الصهاينة.
فلماذا تراجع التأييد للجنرالات في انتخابات الكنيست الأخيرة؟
حين كان الجيش الإسرائيلي يسحق دولًا، ويحتل بلاداً بلا خسائر، كان الفوز في الانتخابات الإسرائيلية لصالح العسكر، وكلما أظهرت القيادات العسكرية بطشاً، وقتلاً ضد العرب، بمقدار ما حظيت بأصوات الناخبين، وتأييدهم، ولهذا السبب كان الجنرال موشي ديان معبود الإسرائيليين والإسرائيليات، فهو القائد الذي هزم الجيش المصري في عدوان 56، وهو الجنرال الذي حقق النصر الساحق على الجيوش العربية مجتمعة سنة 67، لقد كانت انتصارات سهلة، صفق لها الإسرائيليون، وهتفوا بحياة الجنرالات الذين يسحقون جيوشًا، ويحتلون أرضاً عربية بلا تكلفة.
لقد انتخب الإسرائيليون الجنرال شارون رئيساً للوزراء لخلفيته العسكرية، وانتخبوا إيهود باراك للسبب نفسه، وانتخبوا إسحاق رابين، وديفيد آليعزر، وشمعون بيرس وأولمرت لأن لهم خلفية عسكرية، ولهم ماضٍ يؤكد دورهم في احتلال بلاد عربية، والانتصار السريع، والأهم من ذلك أنهم قتلوا عرباً، وهذه ميزة يتفاخر بها القادة الإسرائيليون عند الحديث عن سيرتهم الذاتية.
ولكن هذا المشهد اختلف في الآونة الأخيرة، وقد عجز الجيش الإسرائيلي عن حسم المعركة مع غزة، وعجز عن حماية تل أبيب من صواريخ المقاومة، وأقام الحواجز والسدود والأنفاق لحماية حدوده من رجال غزة، الذين تجرؤوا على الجيش في أكثر من معركة، وأهانوا كرامته، لذلك تراجعت مكانة الجنرالات في إسرائيل، وهم الذين عجزوا عن احتلال الجنوب اللبناني، وعجزوا عن استخراج الغاز من حقل كاريش دون اتفاق مع لبنان، وعجزوا عن اقتحام مدنية جنين بسهولة، ودون خسائر، وهم الذين حشدوا نصف جيشهم لاقتحام نابلس، كل ذلك أسهم في تراجع مكانة الجنرالات في الجيش، لينفض عنهم الجمهور ضمن منطق: للنصر ألف أبٍ، والهزيمة يتيمة.
وعن الأسباب التي دفعت الشارع الإسرائيلي لانتخاب المتطرفين الصهاينة، والوثوق بهم، فذلك يرجع إلى العقيدة اليهودية التي تؤمن بالقوة، والمزيد من القوة لتحقيق الأهداف الدينية، والذي شجع على هذا التطرف عاملان:
الأول: الضعف العربي العام، وسياسة التطبيع مع الدول العربية.
الثاني: مواصلة التنسيق والتعاون الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية وأجهزة المخابرات الإسرائيلية، وهذه نقطة اطمئنان، شجعت اليهود على المزيد من التطرف، والسعي لتحقيق الحلم الصهيوني في إقامة دولته اليهودية على كل أرض فلسطين.
الحقائق السابقة تضعنا أمام مشهدين، مشهد المقاومة الفلسطينية الذي أسقط جنرالات الجيش، ومسقط التنسيق والأمني والتطبيع الذي رفع من أسهم الصهيونية الدينية، والفلسطينيون مجبرون على اختيار طريقهم، فإما أن يدعموا المتطرفين الصهاينة من خلال موصلة التنسيق الأمني، وإما أن يسهموا في سقوط جنرالات الجيش، واستحالة الحسم العسكري، وذلك من خلال مواصلة المقاومة، وتطوير فعلها الميداني.