فلسطين أون لاين

الشهيد أحمد الجعبري بأعين مُحرَّرين: وعد وأوفى

...
الشهيد أحمد الجعبري
غزة/ محمد الصفدي:

لم يترك الشهيد أحمد الجعبري نائب القائد العام لـ كتائب القسام طريقًا إلا وسلكه بحثا عن حرية أصدقاء عمره ورفقاء دربه داخل سجون الاحتلال، فكان رجلاً عسكرياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً مبدعاً بامتياز.

مثَّل الجعبري بشخصيته العنيدة الصلبة لمحرري صفقة وفاء الأحرار معنى الحرية، بعد أن أرسى قواعد جديدة ثابتة لمرحلة مقبلة من الصراع مع الاحتلال، تميز فيها بقدرات عسكرية وأمنية كبيرة نقل بها القسام نقلات نوعية واضحة محولا الكتائب إلى جيش منظم متين.

ويُحيي الشعب الفلسطيني الذكرى العاشرة لاستشهاد القائد الجعبري الذي ترك أثرا بالغا في قلوب عشاقه ومحبيه، ولا سيما المحررين في صفقة وفاء الأحرار، التي أشرف على تفاصيلها حتى إتمامها في شهر أكتوبر عام 2011، متوجا بالإفراج عن (1047) أسيراً فلسطينياً على مراحل.

شخصية فريدة

"شلت أيدينا إن نسينا أسرانا"، بهذه الكلمات للشهيد الجعبري يستذكر المحرر مصطفى مسلماني، قائدَ أركان المقاومة في الذكرى العاشرة لاغتياله، قائلا: "نفتخر ونعتز بهذه الشخصية الوطنية الفريدة".

ويضيف المحرر في صفقة وفاء الأحرار مصطفى مسلماني، المبعد إلى غزة: "هذه ذكرى خالدة في ذهن الأسرى، وستبقى شخصية القائد "أبو محمد" خالدة في عقول وقلوب من عايشوه وعايشهم، ولا يمكن أن نبدل أو نغيّب هذه الصورة التي تستحق منا كل احترام وإجلال".

ويتابع: "أبو محمد كان أسيراً سابقاً يشعر بما يعانيه الأسرى من عذابات وقهر داخل السجون، لهذا كان منذ اللحظات الأولى لتوليه قيادة كتائب القسام على سلم أولوياته حرية الأسرى".

وينبه إلى أن هذا الأمر قد تحقق فعليًا بإبرام وفاء الأحرار مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بغزة "التي كانت لحظة فارقة ومفصلية وتاريخية في حياة الأسرى خاصة والشعب الفلسطيني عامة".

وعن أهمية هذه الصفقة في نفوس الأسرى يقول مسلماني: "هذه الصفقة وتداعياتها حدثت على أرض فلسطينية، واستطاعت المقاومة أن تحتفظ بالجندي شاليط بداخل قطاع محاصر ومراقب على مدار الساعة، بالرغم من كل المحاولات الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية وبدعم عالمي وعربي للبحث عنه".

اقرأ أيضا: ماذا قال أسرى حماس في ذكرى اغتيال القائد الجعبري؟

ويشيد بحنكة الشهيد الجعبري في إخفاء الجندي شاليط وإدارته الأمنية الحكيمة للملف حتى استطاع أن يصل بصفقة الأسرى إلى بر الأمان.

ويلفت مسلماني الانتباه إلى أن الجعبري رسخ مفهوما لدى كل المقاومين، وشكل وحدة خاصة لها علاقة بالجنود الإسرائيليين من أجل إطلاق سراح الأسرى، مشيرا إلى أنه صاحب المقولة الشهيرة "شلت أيدينا إن نسينا أسرانا"، فقد حولها إلى فعل وحقيقة عشناهما نحن الأسرى واقعاً ملموساً.

ويشدد على أن الجعبري يكن كل احترام وتقدير لأسرى الضفة الغربية ومدينة القدس وكان لهم مكانة خاصة في عقله وقلبه.

وكان الجعبري أحد المشرفين المباشرين على عملية أسر الجندي الإسرائيلي شاليط في 25 يونيو/ حزيران 2006م خلال اقتحام مقاومين من 3 أجنحة عسكرية موقعًا عسكريًا شرق رفح عبر نفق أرضي في عملية أُطلق عليها اسم "الوهم المتبدد".

مفاوض عنيد

ويتحدث المحرر زهير الششنية الذي أمضى 22 عاما في الأسر قائلا: "إن الشهيد "أبو محمد" أسس وفاوض المحتل بهذه الصفقة التي من خلالها أحيا 450 أسيرا فلسطينيا من جديد كانوا في غياهب السجون يحاكمون بالمؤبدات ومعتقلين في بطن الحوت".

ويشير الششنية إلى أن "يوم الإفراج عنا من سجون الاحتلال هو يوم من أيام الله، وفرحة عارمة سادت الشارع الفلسطيني".

ويستذكر لحظات التحرر الأولى بالصفقة بالقول: "كنت أجلس في الباص الأول الذي دخل قطاع غزة، وهو الذي يصعد على متنه الشهيد أبو محمد، وكانت الدموع في عينيه وتحدث إلينا بفخر قائلاً: (لو استشهدت الآن فلن أندم، ولن أحزن، فقد أتممت المهمة)، ثم سأل عن الأسير عبد الهادي غنيم الذي كان ملفه آخر ملف تم التفاوض عليه مع الاحتلال".

ويلفت إلى أن "عيني "أبو محمد" الدامعتين لحظة استقبال الأسرى في معبر رفح كانت تمثل دموع الفرح والصدق وتعبر عن الحالة الفلسطينية برمتها"، مشددا على أنه "لولا إصرار وتصلب هذا الرجل العنيد على مطالب المقاومة لما كنا الآن بينكم نتنفس عبير الحرية".

ويتابع: "أما دموع الحزن التي كنا نراها في عينيه فكانت حزناً على الأسرى الذين ما زالوا خلفنا في الأسر".

ولا تزال قلوب الأسرى داخل سجون الاحتلال تدق شوقاً واشتياقاً لصفقة وفاء أحرار ثانية تبيض بها السجون وتنقل محررين جددًا إلى فضاء الحرية.