فلسطين أون لاين

أوكرانيا وما هو أوسع من الحرب

يقال في تحليلات الخبراء والسياسيين إن الحرب في أوكرانيا ليست مجرد حرب تنتهي بوقف إطلاق النار، وانتصار أحد الطرفين (الروسي والأوكراني) على الآخر، بل هي أكثر من مجرد حرب وقتال وبحث عن النصر. الحرب ستتوقف طالت أيامها أو قصرت، ولكن نهايتها لا تقف عند ظفر روسيا ببعض ما في يدها من الأراضي الأوكرانية، بل الأمر أبعد من ذلك، إذ يمكن أن تكون نهايتها هي بداية لإعادة رسم خريطة المنطقة، وتشكيل تحالفات جديدة، على غرار ما يعرف تاريخيًّا باتفاقية سايكس بيكو في رسم خريطة المنطقة بعد الحرب العالمية.

ومن أدلة هذه الفكرة أن روسيا قامت بضم خمسة أقاليم من شرق أوكرانيا لروسيا، بعد أن ضمت جزيرة القرم لها. هذا الضم يعني أن روسيا أخذت ما تراه حصتها من الأرض الأوكرانية، وحين تدعو أمريكا أوكرانيا للتفاوض مع روسيا فإن هذا يعني أن أمريكا قد تقبل بالضم الذي قامت به روسيا، ولكن ليس من خلال السلاح، بل من خلال التفاوض مع أوكرانيا، وتنظيم العلاقات المرتبطة بالضم.

تصريحات القادة العسكريين في أمريكا تقول علنًا إن روسيا لا تستطيع تحقيق النصر في الحرب، وأوكرانيا لا تستطيع ذلك، والحرب يجب أن تقف وألّا تتوسع نحو حرب ذرة، أو حرب عالمية ثالثة تكون تأثيراتها سلبية جدًّا على أوروبا، وبما أنه لن يكون هناك منتصر يقرر ما يريد، فلا بد من التفاوض، وتلبية مطالب جميع الأطراف: (روسيا وأوكرانيا والدول الأوروبية)، أي رسم ما يمكن تسميته خريطة (سايكس بيكو) للمنطقة بشكل موسع يلبي مطالب جلّ الأطراف.

أوكرانيا في نظر المخططين للتقسيم والتوزيع، ووقف الحرب ومنع توسعها، لن تخسر مساحة كبيرة من مساحتها، إذ تعد أوكرانيا أكبر دولة أوروبية في المساحة، وإذا ما تقلصت لتصبح بمساحة فرنسا فهذا لن يضرها، والأقاليم الشرقية سكانها روس، ولا يدينون بالولاء لكييف، والخلاص منهم مصلحة لأوكرانيا.

إن إغراء بوتين بهذا الإنجاز ربما يسهل عليه قرار وقف القتال، ثم التفاوض، وسيريح دول أوروبا، ويمنع دخول الحرب في أزقة لا يعلمها نتائجها إلا الله. وعلى هذا النحو يجدر أن نفهم تصريحات جنرالات أمريكا: لا منتصر في الحرب، وعلى الطرفين التفاوض، وتوسيع الحرب لحرب عالية ثالثة محظور، ولا ترغب فيه أوروبا، ويجب ألّا تلجأ إليه روسيا أيضًا.

إذا نحن لسنا أمام مجرد حرب وقتال وخسائر، بل نحن أمام حرب تعيد تنظيم الجغرافيا في المنطقة، إذ أبدت الحرب عن تحالفات جديدة.