فلسطين أون لاين

محمد خلوف.. ارتدى أجمل ملابسه وتوقع أن يكون "الشهيد القادم"

...
الشهيد محمد خلوف - أرشيف
جنين– غزة/ يحيى اليعقوبي:

لم تمضِ أكثر من ساعة على غفوته، حتى استيقظ على صوت رنين هاتفه، ليرد على المتصل الذي افتتح المكالمة، بسؤاله: "الك ابن اسمه، محمد سامر خلوف"، اعتدل مدركًا حدوث أمرٍ ما لطفله، تتسارع نبضات قلبه من القلق، يرتجف صوته: "صحيح ابني، صاير اشي!؟"، طمأنه: "لا، جاءت شظية خفيفة بإيده"، فهدأت مخاوفه، وحمل نفسه وذهب للمشفى، وهناك وقف أمام الحقيقة، رأى طفله البكر يغرق في بقعة دماءٍ على سرير المشفى شهيدًا.

اقرأ أيضاً: "حماس": اغتيال الفتى "الفايد" بدم بارد سيزيد شعبنا إصرارًا على المقاومة

بعد انتظارٍ طويل، استيقظ الطفل خلوف (14 عامًا) من نومه صباح الخميس الفائت، منطلقًا نحو زيارة خاله الأسير فارس الزبن المعتقل في سجون الاحتلال منذ 6 أشهر، وفي أثناء عودته ذهب لبيت جده في جنين للاستراحة، قبل مواصلة الطريق نحو منزله الواقع في بلدة برقين جنوب غرب المحافظة.

إعدام بدم بارد

خرج الطفل من بيت جده، ولأجل الوصول لبيته مرَّ بشارع المخيم الذي يربط برقين بجنين، لم يدرك أن المخيم تحول لساحة حرب، تملؤه جيبات عسكرية للاحتلال، وقوات خاصة لاغتيال المقاوم فاروق سلامة، فاحتمى بين مجموعة من المواطنين أثناء الاشتباكات بين قوات الاحتلال ومقاومين تصدوا للاقتحام، لكنها لم تحمه من رصاصتين إسرائيليتين اخترقتا قلبه، واستشهد.

"قبل ساعة من استشهاده، اتصلت به وقلت له: ننتظرك على طعام الغداء، فأخبرني أنه سيذهب لبيت جده، وغفوت قليلًا بانتظار قدومه، ولم أدرك أو أسمع عن اقتحام جيش الاحتلال لجنين"، يروي والده المكلوم لصحيفة "فلسطين" تفاصيل آخر لحظات طفله.

بصوت يستعر من الغضب يتهم والده الاحتلال بإعدام طفله بدم بارد، ينقل عن شهود عيان قولهم: إن طفله تعرض للقنص في أثناء وقوفهم بين تجمع للناس في طريق عودته للبيت من طريق المخيم. 

يستحضر آخر صورة لطفله: "طلب مني أن أيقظه باكرًا حتى لا تفوته زيارة خاله، كان سعيدًا جدًا، كان يريد الاطمئنان عليه، وكذلك مشاهدة معاناة الأسرى عن كثب، وعندما انتهى من الزيارة أرسل لي رسالة عبر ماسنجر، يشعرني بوصوله لبيت جده".

محمد الذي يدرس بالصف التاسع الإعدادي، عاد كل زملائه إلى الفصل، لكن مقعده ظل فارغًا إلا من صورته وحقيبته الدراسية، أقامت له مدرسته حفل تأبين أول من أمس.

اقرأ أيضاً: هكذا خطف جيش الاحتلال روح "عمار" بدم بارد!

في الحفل، تقدم الطلبة يحملون أكاليل ورود تحيط بصورته التي علقوها أيضا على جدران المدرسة، بين إطار الصورة يتبسم محمد وفي خلفه تظهر قبة الصخرة والمسجد الأقصى، صعد زميله منصة حفل التأبين، ليلقى كلمة ينعاه فيها، لكنه غرق مبكرًا في دموعه التي حالت بينه وبين رثاء صديقه، ونابت عنه دموعه في ذلك.

طفل تعلق بالشهادة

لم يكن طموح محمد عاديًّا، فرغم صغر سنه إلا أنه كان يتمنى "الشهادة" وتعلق وأصرَّ عليها، يقول والده: "كنت أقول له: سنبني لك بيتًا حتى أزوجك، كنت أنتظر اللحظة التي يكبر فيها لأعيش هذه الفرحة التي حرمني منها الاحتلال، لكنه كان يحدث أمه وأصدقائه عن حبه للشهادة وليس ما أعرضه عليه".

ما نقله والده، كتب أيضًا محمد على صفحته على موقع "فيس بوك" في ملف تعريف وهي أشبه بوصية له فك والده لغزها بعد استشهاده "ارتدِ أجمل الملابس عندك، فيمكن أن تكون أنت الشهيد القادم".

يرثيه والده بدموعٍ داهمت صوته: "كان طفلاً، محبوبًا مطيعًا لي، تأثر باستشهاد صديقه الفتى محمد زكارنة (قتلته قوات الاحتلال في أبريل/ نيسان الماضي)، وكان يتفاعل مع جنازات الشهداء".

خلوف الأب، الذي يعمل في الأجهزة الأمنية بالضفة، غاب عن منزله خمسة أيام للدوام وعاد على فاجعة فراق ابنه، لكن سبقها ثلاثة أيام جميلة أمضاها مع طفله ستبقى عالقة في ذاكرته، عندما ساعده في قطف ثمار الزيتون، تقفز صورة محمد أمامه: "كان سعيدًا، ذهبنا برفقة أعمامه، وجنينا الزيتون في أرضنا، وتناولنا طعام الإفطار والغداء وجلسنا في جو عائلي".

لدى سامر خلوف، ثلاثة أبناء أكبرهم محمد، ونورس (4 أعوام) وجنى (10 أعوام)، خطف الاحتلال زهرةً من قلبه بين الزهرات الثلاثة وزرع شوكة حزنٍ بداخل قلبه، "هذا احتلال مجرم لا يفرق بين طفل وامرأة، هدفه القتل واستهداف الشعب الفلسطيني بجميع أطيافه، ما ذنب طفلٍ صغير يعدم بدم بارد، ماذا فعل ليحرم من الحياة!؟" يتساءل والده بحرقة ودموع اختتم بها كلامه.