فلسطين أون لاين

التغيُّر المناخي وانتشار "القراض" أسباب رئيسية

تقرير تشارين غزة 2022.. موسم ينتظره الصيادون والبحر يعطي القليل

...
تشارين غزة 2022 موسم ينتظره الصيادون والبحر يعطي القليل
غزة/ أدهم الشريف:

عندما يقترب شهرا أكتوبر/ تشرين الأول، ونوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، والمعروفان بـ "موسم التشارين" لدى الصيادين في قطاع غزة، يبدأ هؤلاء بتجهيز أنفسهم بما يتوفر لديهم من إمكانيات، أملًا بصيدٍ وفير.

لكنّ الرياح أتت هذه السنة بما لا تشتهي قوارب الصيادين؛ وقد أبحرت لأميال في عرض البحر بحثًا عن أسراب الأسماك في مساحة ضيقة يمارس فيها عدد كبير من الصيادين مهنة الصيد، ويملؤها العديد من المنغصات والمعوقات بفعل انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي.

وتتعدد أنواع الصيد في بحر غزة، فبين استخدام القوارب والإبحار فيها بعيدًا، والشباك بأنواعها المختلفة، والصيد بالمسدس البحري، يبحث الصيادون عن قوت يومهم عند زوارق بحرية جيش الاحتلال، التي عادة ما تمزق بأنيابها قوارب الصيد وتتلف شباكهم، وتعتقل العديد منهم.

تراجع الكميات

وخلال جولة لمراسل صحيفة "فلسطين"، قابل خلالها مجموعة من التجار والصيادين، تبيّن أنّ جميعهم يشتكون من قلة كميات الأسماك التي تمكن الصيادون من صيدها خلال تشارين هذه السنة.

داخل حسبة السمك، عند ميناء الصيادين غرب مدينة غزة، يقف مجموعة من تجار الأسماك في واحد من أبرز الأماكن المخصصة لبيعها؛ كان من بينهم مازن بكر، والذي يعمل في هذا المجال منذ ما يزيد على 20 عامًا.

قال بملء الفم: لم يمر على الصيادين بغزة موسم تشارين مثل 2022.

وأضاف بكر لـ "فلسطين": إنّ الانتهاكات التي ترتكبها بحرية الاحتلال والمساحة التي يُسمح الصيد فيها، تجعل الأوضاع في بحر غزة لا تُطاق بالنسبة للصيادين.

وبيَّن أنّ المساحة المخصصة للصيد، ثُعدُّ مياهًا مفتوحة لمرور الأسماك المهاجرة، ومنها الغزال، البوري، التونة والانتياس وأنواع أخرى، وأنّ بيئة بحر غزة تفتقد إلى مراعي هذه الأنواع المرغوبة بشدة لدى المواطنين في غزة.

ووقف تامر بكر أمام محل والده في حسبة السمك، يدلل على مجموعة متنوعة من الأسماك، تزن أكثر من 10 كيلوجرامات، في حين لم يأتِ أحد لشرائها ربما لأنّ الكثيرين يعتبرونها مرتفعة الثمن؛ "لكن لا نستطيع أن نبيع هذه الأسماك بأسعار أقل من المعروض بسبب ارتفاع تكلفة صيدها" كما يقول هذا الشاب، في العشرينيات من عمره.

ويستخدم الصيادون قوارب قديمة جدًّا في صيد الأسماك، يزيد عمر بعضها على 25 سنة، وهذا يعني أنّ عمرها الافتراضي قد انتهى، ويلزم قوارب ومعدات جديدة للصيد، لكنّ هذا الأمر بعيد المنال بالنسبة للغالبية العظمى بسبب منع الاستيراد لغزة الذي تفرضه (إسرائيل) على المعدات البحرية.

وقال بكر لـ "فلسطين"، وهو صياد إلى جانب أنه تاجر: إنّ الصيادين واجهوا مشاكل ومعيقات عديدة خلال موسم التشارين بسبب انتهاكات الاحتلال وضيق المساحة، علاوة على النقص الحاد الحاصل في معدات الصيد باختلاف أنواعها.

ويقارب عدد الصيادين على اختلاف طرق الصيد التي يستخدمونها، 4500 صياد في بحر غزة، مُوزّعين على الساحل الذي يبلغ طوله من شمالي القطاع حتى جنوبه، 41 كيلومترًا.

وأرجع مجموعة من الصيادين، التقت بهم "فلسطين"، خلال جولتها قلة كميات الأسماك التي أخرجوها من البحر خلال الموسم الحالي، إلى التغير المناخي وانعكاسه على البيئة البحرية.

ونبَّه هؤلاء إلى أنّ انتشار سمك "القراض (الأرنب)" السامة، سبب رئيسي في تراجع كميات الأسماك، لأنّ هذا النوع يأكل جميع أنواع الأسماك، والأعشاب البحرية، حتى شباك الصيادين لا تسلم من أسنانها الحادة.

علاوة على ذلك، ضيق مساحة الصيد، والزيادة بعدد الصيادين في منطقة بحرية لا تتغير المساحة المخصصة للصيد فيها بالمطلق، وفق الصيادين.

وقال الغواص رامي مقداد الذي يستخدم مسدسًا مخصصًا لصيد الأسماك، إنه يستغل موسم التشارين كل عام لتغطية احتياجات عديدة لأسرته، لكنّ هذا العام لم يرَ كميات وفيرة من الأسماك في البحر.

ويتنقل مقداد، في الثلاثينيّات من عمره، بين عدة شواطئ بغزة بحثًا عن مناطق صخرية تعيش فيها الأسماك، كما يقول لـ "فلسطين"، فتارة يفضِّل شاطئ المحافظة الشمالية لقطاع غزة لممارسة الصيد، وتارة أخرى يلجأ إلى الجهة الجنوبية من ميناء غزة، حيث تمكن من صيد "غزال (كنعن)" يزن 24 كيلوجرامًا، وهو الوحيد الذي أخرجه بهذا الوزن منذ بداية موسم التشارين 2022.

استنزاف طاقة الأسماك

ويثبت كلام الصيادين، ما تحدث به مدير عام الثروة السمكية في وزارة الزراعة بغزة وليد ثابت، والذي أكد تراجع كميات الأسماك منذ بداية 2022 مقارنة بالأعوام الماضية.

وقال ثابت لـ "فلسطين": إنّ النقص في كميات الأسماك لا ينطبق على غزة وحدها، بل في دول حوض شرق البحر الأبيض المتوسط.

وأشار إلى أنّ دراسات عديدة تشير إلى أنّ التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الطقس أدى إلى رفع درجة حرارة المياه.

وقد أدى ذلك إلى إحداث نقص في الأكسجين في مياه المتوسط، الأمر الذي جعل الأسماك تُوجّه طاقتها الإنتاجية وجهدها إلى مقاومة الإجهاد الذي سبّبته التغيرات المناخية بدلًا من أن تستفيد منها في التكاثر.

ونبَّه إلى أنّ تأثير سمكة القراض على البيئة، محدود ويُشكّل تحديًا يواجه أصحاب بعض القوارب الكبيرة.

وبيّن أنّ انتهاكات الاحتلال والتي تطال الصيادين وقواربهم ومعدات الصيد، لها تأثير سلبي كبير في كميات الأسماك أيضًا.

وتتهم نقابة الصيادين وجهات أخرى تعنى بالدفاع عن حقوقهم، الاحتلال باتباع سياسة تدمير ممنهجة لقطاع الصيد منذ 2006، بهدف إفراغ البحر.

ويُعدُّ الصيادون الشريحة الثانية بعد الزراعة في قطاع غزة، ويبلغ عددهم 4500 صياد، في حين يصل عدد القوارب بأشكالها وأحجامها المختلفة إلى 1000 قارب، الغالبية العظمى منها بحاجة إلى صيانة لضمان امتلاك القدرة على الإبحار، بحسب معطيات نقابة الصيادين.