كثيرة هي استخلاصات الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، ومنها أنه لأول مرة منذ ثلاثين عامًا، لن يكون لحزب ميرتس اليساري تمثيل في الكنيست، بعد أن فشل بالحصول على عدد الأصوات اللازمة لتجاوز نسبة الحسم، رغم أنه في سنوات وعقود سابقة ترك بصمة في المجتمع الإسرائيلي على زمن قادته المؤسسين.
اليوم يمكن الحديث عن نهاية حقبة لليسار الإسرائيلي، بعد افتقار حزب ميرتس لقرابة أربعة آلاف صوت فقط لدخول الكنيست الخامس والعشرين، مما شكل انتكاسة له، وهو الذي تأسس عام1988، وخاض انتخاباته الأولى في 1992، ليصل ذروة قوته، بحصوله على 12 مقعدًا، حين كان شريكاً في حكومة رابين، إبان حقبة أوسلو.
حافظ ميرتس خلال طيلة هذه الجولات الانتخابية، صعودًا وهبوطًا، منفردًا ومؤتلفًا، لكن فشله هذه المرة في اجتياز نسبة الحسم، دفعت رئيسته زهافا غالئون للاعتراف قائلة إنها "لحظة جدا صعب علي وعلى أصدقائي، نتائج الانتخابات كارثة، وكلنا سندفع الثمن، المسؤولية بالطبع تقع على عاتقي".
الحقيقة أن هناك جملة من الأسباب والدوافع والعوامل التي جعلت اليسار الإسرائيلي ينتظر على "دكة الاحتياط" هذه المرة، تتمثل الذاتية منها في عدم نزول قادته الى الميدان، أسوة بخصومهم، واكتفائهم بحث الناخبين عبر شبكات التواصل، أو إخفاق ميرتس في الاتحاد مع حزب العمل لتكوين قائمة موحدة، بعكس كتل اليمين التي توحدت في قائمة واحدة، وجعلت الصهيونية الدينية القائمة الثالثة في الكنيست.
أما الأسباب الموضوعية فتظهر على الفور في حالة الانزياح الإسرائيلي العام نحو اليمين المتطرف بشقيه: الديني والقومي، وتراجع شعبية اليسار عمومًا بسبب انهيار عملية التسوية مع السلطة الفلسطينية، وهناك من يقول أن الحملة "السامة" التي وجهتها ميرتس نحو الحاخامات، وتصويرهم على أنهم جهلاء وأشرار وظلاميين وخطرين على الدولة، واتهامهم بالتهرب من الخدمة العسكرية، جاءت بنتائج عكسية، ولم تجلب اليسار لصناديق الاقتراع.
من الواضح أن اليسار الإسرائيلي تحول مع هذه الانتخابات إلى أقلية، ولن يعود للسلطة في المستقبل المنظور، لأن تبخره شكل لأنصاره كارثة سياسية، مما قد يزيد الطلب على تشكيل حزب جديد بقيادة شابة، لأن أيام ميرتس بشكلها الحالي، باتت معدودة، ربما بسبب التغيير الديموغرافي الجاري في أوساط اليهود، وحقيقة أن نسبة العلمانيين بينهم تتناقص شيئًا فشيئًا.
اليسار الإسرائيلي في الطريق لأن يعترف بالحقائق أنه تحول أقلية صغيرة في المجتمع الإسرائيلي، وقد يستمر في الانكماش، بعد أن ارتكب قادته أخطاء فادحة في السنوات الماضية، حتى وصلوا أخيرا الى ما يشبه عملية انتحار سياسي، واستفاق أنصاره على حقيقة محزنة ومأساوية لم يتوقعوها.