فلسطين أون لاين

وعود وإغراءات السلطة للمقاومين يكذّبها التاريخ والتجارب

تقرير التعهد بالحماية مقابل تسليم السلاح.. المقاومون لم ينسوا "العفو الخادع"

...
محافظات/ يحيى اليعقوبي:

تعود السلطة لممارسة أسلوبها في منع توسّع رقعة المقاومة خاصة في مدينتي نابلس وجنين، بمد "العصا والجزرة" على المقاومين مستخدمة الترغيب والترهيب وسياسة الضغط والاعتقال والتعذيب، وعرض الانتساب لأجهزة أمن السلطة مقابل ضمان ما يسمى "عفو الاحتلال" عنهم وعدم ملاحقتهم.

قبل استشهاده، رفض الشهيد وديع الحوح القائد في مجموعة "عرين الأسود" عرض أجهزة أمن السلطة عليه بتسليم سلاحه وسلاح شباب العرين مقابل تنسيبه بالأجهزة، مؤكدًا، أنهم سيمضون في طريق المقاومة، ومواصلين طريق رفقاء دربهم الشهداء، وقاوم الحوح حتى الرمق الأخير.

وقال: "نحن لن نستسلم، ننتصر أو سنموت.. اللهم مكّنا في الأرض واقبلنا في السماء، الحمد لله أننا تركنا بصمة في قلوبكم، وأننا عززنا كلمة الجهاد في سبيل الله ومن ثم الوطن" رحل وديع الحوح مطمئنًا لحال المقاومة، فكان له بصمة في استنهاض روح الجهاد والمقاومة في نفوس الشباب.

بعد استشهاد الحوح والذي بدا واضحًا أنه استطاع تجميع المقاومين من كل الفصائل، بدأت السلطة تجدد عرضها على المقاومين الذين استجاب بعضهم له، ولا تزال تمارس الأسلوب نفسه في جنين ونابلس وبقية المدن.

تعيد هذه المساومة إلى الأذهان، اتفاق السلطة بما وصف بـ"عفو" الاحتلال عن 180 مقاتلًا من كتائب شهداء الأقصى مقابل تسليم السلاح، وذلك عام 2007، والحصول على وظائف بأجهزة أمن السلطة، رغم أنّ الاتفاق -وفق مراقبين- لم يكن برغبة المقاومين بل جرى فرضه عبر حملات قاسية واشتباكات متتالية شنتها أجهزة أمن السلطة على مجموعات بالكتائب.

يذكرنا الحوح، بقائد كتائب شهداء الأقصى بجنوب الضفة الشهيد أحمد البلبول، الذي رفض تسليم السلاح وقبول "العفو" الذي عرضته السلطة، لكن اشتد الضغط عليه واستشهد.

اتفاق خادع

ورغم حدوث الاتفاق الذي أدرك المقاومون الذين سلموا أسلحتهم –فيما بعد- أنه كان اتفاقًا خادعًا، فقد تعرض بعضهم للملاحقة والأسر والاغتيال، بعضهم ما زالوا معتقلين لدى أجهزة أمن السلطة بحجة حمايتهم، والبعض الآخر أعاد الاحتلال أسره ولعل النموذج الأبرز هنا القائد في كتائب شهداء الأقصى زكريا الزبيدي.

كان الزبيدي من أبرز المطاردين من الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يحصل على عفو هو ومجموعة من المطاردين في منتصف عام 2007، بموجبه قام بتسليم أسلحته للسلطة الفلسطينية وقبول العفو الإسرائيلي، حيث تنحى عن النضال المسلح والتزم "المقاومة الثقافية".

في 28 ديسمبر 2011 "ألغى" الاحتلال العفو عن الزبيدي، الذي قال في تصريح شهير له "إنه لم ينتهك أيًّا من شروط العفو"، حتى أن أجهزة السلطة الفلسطينية اعتقلته دون تهمة من مايو إلى أكتوبر 2012، وفي 27 فبراير/ شباط 2019 أعاد الاحتلال اعتقاله.

الأمر نفسه تكرر مع المطاردين من بيت لحم هادي دعدرة ومحمد رمضان، بعدما اعتقلهما الاحتلال عام 2011، ثم ألغى "العفو" وأرجعهما إلى قوائم المطلوبين، كان دعدرة الملقب بـ"الشيشاني" مرافق الشهيد البلبول، ولا زال دعدرة معتقلًا في سجون السلطة حتى اليوم، حتى أنه لم يستطع الخروج لموارة والده تحت الثرى حينما توفي أيلول/ سبتمبر 2020.

في مقابلة صحفية قبل عامين، قال مصدر أمني في السلطة، لصحيفة "الأخبار" اللبنانية: إن "العدو يرفض نهائيًّا الإفراج عن المطاردين المحتجزين... مجرّد مغادرتهم المقرّات الأمنية يعني اغتيال العدو لهم أو اعتقالهم"، مضيفاً: "نسمح لهم بالاتصالات مع عائلاتهم". 

بعد سلسلة من الاغتيالات والتي سبقتها عملية "السور الواقي" الذي نفّذها الاحتلال واجتاح مدن الضفة، والاعتقالات والملاحقات بدأت المقاومة تفقد تأثيرها العسكري حتى وقع اتفاق "العفو"، لكن لم يتخيل الاحتلال والسلطة أنه بالرغم من كل هذه السياسات أن موجة المقاومة ستعود بجيل جديد بدأت عملياته بالسكاكين عام 2015 ثم تطور السلاح إلى أن اتسعت رقعتها حاليًا، وظهرت مجموعات مقاومة مثل "عرين الأسود" في نابلس وأخرى في "جنين" فعادت السلطة إلى الأسلوب نفسه.

أسلوب قديم

يقول الكاتب والمحلل السياسي من جنين ثامر سباعنة: إن موضوع مساومة المقاومين على تسليم السلاح، بدأ مع مجيء السلطة، مستذكرًا، مجموعات "الفهد الأسود" في جنين وتسليم من بقي من مطارديها أنفسهم وأسلحتهم للسلطة، عند إقامة السلطة بداية في "أريحا"، وجرى الفرض على هؤلاء المقاومين البقاء في أريحا لفترة زمنية.

ومجموعة "الفهد الأسود" هي إحدى المجموعات العسكرية لفتح تأسست عام 1989 على يد الشهيد ناصر البوز في نابلس، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى وتوسعت وانتقلت إلى جنين، لكن الاحتلال اغتال واعتقل معظم قادتها المؤسسين، قبل توقيع اتفاق "أوسلو" عام 1993 جرى الإفراج عن بعضهم، لكن الاحتلال أعاد اعتقال عبد الكريم عويس بتهمة تأسيس «كتائب شهداء الأقصى» وحُكِمَ عليه بالسجن ثمانية مؤبّدات وعشرين عامًا.

وأضاف سباعنة لصحيفة "فلسطين" أن الأمر تكرر في انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، وتمكنت السلطة من إضعاف كتائب شهداء الأقصى من خلال استيعابهم في أجهزة أمن السلطة مقابل تخليهم عن سلاح المقاومة، ومقابل الحصول على "عفو" من الاحتلال.

ولفت إلى وجود عدة صور لغدر الاحتلال وتنصّله من أي اتفاق، ومن الأمثلة "الزبيدي" وأشرف زكارنة وغيرهم من المطاردين الذين حصلوا على "العفو" من الاحتلال مقابل تسليم أنفسهم وسلاحهم للسلطة، ولكن الاحتلال اعتقلهم ووجه لهم تهمًا تبقيهم لسنوات طويلة في الأسر.

ورغم اختلاف الفترة الزمنية بين حالة الانتفاضة والحالة الراهنة التي تشهد فيها الضفة اتساعًا في رقعة المقاومة، تكرر السلطة الأسلوب القديم بالترغيب والترهيب مع المطاردين والمقاومين، نتيجة نجاح الفكرة في أكثر من حالة ونتيجة عدم وجود وسيلة أخرى يمكن أن تلجأ لها السلطة، وفق سباعنة. 

ويرى أن ما يجري حاليًّا مع عرين الأسود تحديدًا، يتم بضغط عسكري من الاحتلال من خلال الاغتيالات والاعتقالات، تتزامن معها عروض الحماية والإغراءات التي تقدمها السلطة مقابل تسليم السلاح ووقف المقاومة.

وأضاف، واضح أن السلطة لا تزال تستخدم الأسلوب نفسه، وتحديدًا في جنين ونابلس، والعروض بالأغلب على المقاتلين المحسوبين على حركة فتح، و"عرين الأسود" ومقاومة جنين مثال واضح، وهناك عشرات الأسماء ممن تم تحييدهم بهذه الطريقة.

للأسلوب أثر كبير في شق صفوف المقاتلين وهذا الأثر يتفاوت حسب مكانة وموقع المقاوم في مجموعته، لكن سباعنة، يلفت إلى أثر آخر ويتمثل بإحباط الحالة المعنوية للجماهير التي احتضنتهم وأحبتهم واستعدت للتضحية لأجلهم، وعندما يسلم نفسه رغم أن طريق المقاومة معروف نهايته، فإن ذلك يحبط الجماهير ويدفع بآخرين للتفكير في حياتهم وتسليم أسلحتهم.

مشروع عباس سياسي

تقوم السلطة منذ نشأتها على مبدأ، كما يرى مدير مركز يبوس للدراسات الإستراتيجية سليمان بشارات، أن العلاقة السياسية التي تربط السلطة بالاحتلال وفق الاتفاقيات الموقعة بينهما، تنتفي معه أدوات مقاومة الاحتلال العسكرية ويتم التركيز على الفعاليات الشعبية.

وقال بشارات لصحيفة "فلسطين": "هذا الأسلوب امتداد للمشروع السياسي الذي جاء به عباس منذ انتخابه عام 2005، وكان واضحًا أنه صاحب برنامج مقاومة شعبية سلمية، مما يتطلب عدم وجود سلاح يعارض هذا الطرح السياسي، وهنا يأتي موضوع الطلب من المجموعات المقاومة تسليم السلاح، بحيث يبقى السلاح بيد السلطة.

وأضاف أن هذا الأمر مخالف لرغبة الشارع الفلسطيني، الذي يقوم على السعي للتحرر من الاحتلال القائم، فمواجهة الاعتداءات حق مكفول بالقانون الدولي، وأن ما تقوم به السلطة غير واقعي لشعب يرزح تحت احتلال ولا تتوفر له مقومات الحرية والاستقلال، وهذا ما يجعل الشعب لا يقبل بممارسة السلطة ضغوط على المقاومين المسلحين لتسليم أنفسهم ويعارض رؤية السلطة التي تسعى لتطبيقها.

ويرى أن التفرد في اتخاذ القرار داخل السلطة وغياب المنظومة التشريعية والرقابية، جعل السلطة أكثر استجابة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، التي تصب باتجاه حماية المشروع الصهيوني.