قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال استقباله رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، يوم الأربعاء 26/10/2022م: “لو لم تكن (إسرائيل) موجودة، لكان علينا اختراعها"، رابطاً العلاقة بين بلاده و(إسرائيل) بالعلاقة البنيوية بين المسيحية الإنجيلية الأصولية، أو المسيحية الصهيونية كما تُسمى اصطلاحاً.
لا يختلف بايدن في نظرته لـ(إسرائيل) عن الإدارات المتعاقبة السابقة ديمقراطيين كانوا أو جمهوريين، فالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية تختلف بين الديمقراطيين من حيث الشكل فقط وتتوافق من حيث الجوهر.
وبما أن الولايات المتحدة هي قائدة النظام الدولي وعليه فإن تبعية أغلبية الدول والمنظمات إليها هي تبعية كبيرة وواضحة ولا سيما فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما انعكس على طبيعة وجوهر الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية التي وقعتها منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية مع (إسرائيل)، حتى ارتبط التمويل الأجنبي للسلطة بدورها الأمني الوظيفي الذي يخدم بالدرجة الأساسية الاحتلال الصهيوني حتى أصبح الاحتلال أرخص احتلال عرفه التاريخ المعاصر، سلطة فلسطينية تلتزم كل شيء، مقابل احتلال إسرائيلي انقلب على كل شيء، ويمارس كل الموبقات على الشعب الفلسطيني من قتل واعتقال وتهويد وتمييز عنصري وحصار وانتهاكات للقانون الدولي ورفض لعملية التسوية والقضاء على "حل الدولتين" عبر مشاريع استيطانية منهل على سبيل المثال (E1)، وانقلاب واضح وصريح على اتفاق أوسلو الذي رعاه معظم دول العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.
رئيس السلطة محمود عباس قال في تصريح صحفي أمام مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا "سيكا"، المنعقد في أستانا (كازاخستان)، إنهم لن يبقوا الوحيدين الملتزمين بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي، وسيراجعون العلاقة معها.
ما بين سلوك الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية وتصريحات رئيس السلطة محمود عباس، وموقف الولايات المتحدة، ومع حلول الذكرى الـ29 على توقيع اتفاق أوسلو أصبح السؤال الذي يسيطر على فكر الشباب الفلسطيني هو: هل من المنطقي القبول بالواقع الراهن...؟ الأرض تضيع والاحتلال يتمدد والكرامة الإنسانية تتدهور نتاج سلوك الاحتلال والانقسام، حتى أدرك المواطن الفلسطيني بأن الخلاص من الاحتلال هو الهدف المركزي لتحقيق الأهداف الوطنية، وحفظ كرامة الإنسان الفلسطيني، فظهر ذلك عملياً عبر تشكيلات وطنية جديدة مثل عرين الأسود ومجموعة المقاومة في جنين في شمال الضفة الغربية، وهو ما أربك حسابات الاحتلال ودفعها للتحرك ضمن نظرية جز العشب، أي التصفية المباشرة، أو الاعتقال حتى لا تنتقل الفكرة إلى بقية محافظات الوطن، لأن ولادة نماذج تعكس وحدة الشباب الفلسطيني الثائر تحت أي مسمى هي الأكثر خطورة بالنسبة لدولة الاحتلال، لأن نموذج الجزائر ماثل أمام الجماهير عندما توحدت الأحزاب خلف راية واحدة وجبهة جامعة انتصر الجزائريون وتحقق استقلال بلادهم، وأيضاً نموذج غرفة العمليات المشتركة في قطاع غزة نموذج مهم في التنسيق وتبادل الخبرات والتحضير لصد العدوان.
إن مفتاح زيادة فاتورة الاحتلال ودعني أقول إن الضربة الإستراتيجية الكبرى وطنياً تتمثل في انتقال السلطة الفلسطينية من الدور الوظيفي الأمني إلى الدور الوطني فتلتحم مع مقاوميها لحماية شعبها وترابها الوطني، كما حصل في نابلس مؤخراً؛ لأن هذا التحول يساهم في رفع تكلفة الاحتلال وهنا سنكون أمام ثلاثة سيناريوهات:
الأول: انهيار كامل للسلطة الفلسطينية وهذا سيكون مؤلم للاحتلال بالمقارنة مع سيناريو بقاء الواقع الراهن كما هو عليه خلال السنوات الماضية، أي تحمل المسئولية الكاملة عن الضفة الغربية، وقطاع غزة لن يكون بعيدا.
الثاني: تثبيت دور جديد للسلطة الفلسطينية عبر إجبار المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال للقبول بالقرارات الدولية، والمساهمة في دفع (إسرائيل) للانسحاب من المستوطنات، عبر زيادة تكلفة حراسة المستوطنين من خلال أعمال مقاومة تستهدف الجنود المكلفين بحراسة المستوطنين كما حصل في تجربة الاندحار الإسرائيلي من مستوطنات قطاع غزة في سبتمبر/2005م.
الثالث: تحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة مقاومة الاحتلال والاشتباك معه تحت راية واحدة، وفي حال تحقق ذلك ستكون القضية الفلسطينية دخلت في مرحلة جديدة في الطريق نحو استنهاض المشروع الوطني وصولاً لتحقيق هدف التحرر الوطني.