في الوقت الذي تواجه دولة الاحتلال تحديات وتهديدات متعددة، وبدلاً من التعامل مع الخطوات المصيرية لتأمين أوضاعها الأمنية، فإنها في ذروة موسم انتخابي هو الخامس خلال أربع سنوات تأخذ مسار النقاش والبحث والتحليل إلى مسائل ليست ذات أهمية قصوى أمام ما تراه بناظريها من تطورات متلاحقة.
بكثير من الثقة والموضوعية يمكن القول إن دولة الاحتلال تجد نفسها في وضع معقّد خلال السنوات الأخيرة، دون عثورها على حل سحري، وفي حين تفصلنا أقل من عشرة أيام على الاستحقاق الانتخابي في الأول من نوفمبر، فإن الجمهور الإسرائيلي ما زال منشغلا ومتجاذبا بين شعارات يغلب عليها الطابع الشخصي لقادة أحزابه المتنافسة.
يزداد الانغماس الإسرائيلي في الورطات والمآزق الانتخابية المتراكمة، وسط غموض لما سيشهده العالم أجمع، وليس الشرق الأوسط فقط، في المستقبل القريب والبعيد، مع ما يشهده الوضع العالمي من كساد بات يلوح في الأفق، وإمكانية حدوث انهيارات غير مفاجئة، وارتفاع مذهل الأسعار لم نشهد مثلها منذ عقود في أسواق الطاقة والحبوب.
في خضم هذه الفوضى العالمية، يزداد التورط الإسرائيلي في الوحل الحزبي والمستنقع الانتخابي، وسط حالة من الافتقاد للاستقرار الحكومي طويل الأجل، الذي من المفترض أن يوفر إجابة حقيقية للاحتياجات الهائلة لدولة الاحتلال، ومستقبلها، مع غياب حكومة مستقرة تقودها لسنوات قادمة، لأن المنظومة السياسية اليوم لا تكفي لتلبية احتياجاتها الحقيقية والضخمة التي تتصاعد في جميع المجالات: الإسكان والبنية التحتية والمواصلات والصحة والتعليم وغيرها، فضلا عن مواجهة التهديدات الأمنية والعسكرية، ولن يقوم بكل ذلك سوى حكومة مستقرة ودائمة، لا يبدو أنها تلوح في الأفق القريب.
التقديرات الإسرائيلية التي تزداد ترجيحا كلما اقتربنا من يوم ذهاب الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع أنه لن يتم تشكيل حكومة مستقرة ودائمة، ما دام استمر الجدل حول الشخوص المرشحة، وليس البرامج الانتخابية المقدمة، ما يجعل هؤلاء يحاربون ويخوضون المعركة الانتخابية على شخوصهم، وليس من أجل مصلحة الدولة، وبالتالي فإنهم سيكونون معنيين بوضع المزيد من العصي في دواليب أي حكومة قادمة لإعاقتها وإفشالها، وكل ذلك لن يؤدي في النهاية للاستقرار الحكومي.
صحيح أن الكل متورط في هذه الأزمة الإسرائيلية المستعصية، لكنّ مزيدا من تركيز الكاميرا بصيغة "zoom in" يجعلنا نوجه الأنظار إلى زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو الذي قد يشكل غيابه عن المشهد السياسي الإسرائيلي وصفة سحرية، بنظر العديد من خصومه من مختلف الأحزاب المتنافسة، لتشكيل حكومة مستقرة تمثل معظم أطياف العمل الحزبي والسياسي، خاصة أنه يعد بنظر قرابة نصف المجتمع الإسرائيلي السبب الرئيس في استمرار هذه المعضلة، ما يجعل بقاءه في صدارة المشهد كفيلا بإعاقة ومنع أي إمكانية لتشكيل حكومة وحدة تمثل الجمهور الإسرائيلي المنزاح نحو مزيد من اليمينية!