فلسطين أون لاين

15 عامًا والاحتلال يلاحقهم

مرارة الهدم والتشرد تتنقل بين أفراد عائلة "درويش"

...
عدنان درويش وهو يهدم بيته بالجرافة الخاصة به
القدس المحتلة-غزة/ مريم الشوبكي:

منذ أكثر من 15 عامًا انقلبت حياة الحاج عدنان درويش رأسًا على عقب، بدءاً من هدم الاحتلال الإسرائيلي لبيته في القدس المحتلة، ومن ثمّ تجريف بستانه وصولاً لهدم بيوت أبنائه.

كان حزن درويش (75 عامًا) على بيته وبستانه عميقًا، ولكنه لا يُذكر أمام مشاعر القهر التي شهدها لحظة هدم بيوت أبنائه محمد وزياد، أما مهران فلا يزال يناطح الاحتلال ويدور في محاكمه لعله يوقف أمر الهدم الذي أخطره به الاحتلال منذ 14 عامًا.

بستان مثمر

جاء صوت الحاج عدنان عبر الهاتف خافتًا أنهكته الهموم، قائلًا لـ"فلسطين": "في عام 2015 استيقظتُ على تجريف الاحتلال نحو 8 دونمات مزروعة بأشجار مثمرة، كانت حديقة غنّاء، ورثتها عن أبي وكانت مزروعة بالأشجار منذ سنوات طويلة كالنخيل، والزيتون والحمضيات".

وأضاف: "جرفوا الأرض بالكامل ولم يتبقَّ لي من المكان إلا الذكريات التي تعيش في مخيلتي والصور الفوتوغرافية التي التقطتها في المكان، وحتى اليوم يمنعونني من إعادة زراعتها".

ويشعر الحاج عدنان بالقهر كلما نظر لمزرعته وقد تحولت لصحراء جرداء، يعتزم الاحتلال بناء حدائق تلمودية فيها.

ولم يفقد المسن بيته وبستانه في قرية عناتا في الشمال الشرقي لمدينة القدس فحسب بل إن معاول الهدم التابعة للاحتلال لاحقته حتى أرضه في بلدة العيسوية المقدسية التي ورثها عن والده (عام 1967م)، منحها لأبنائه الثلاثة ليبنوا فيها بيوتاً بعد أن أرهقتهم وأسرهم تكاليف الإيجار الباهظة في القدس.

أسر وتشرد

وكانت البداية مع ابنه محمد الذي تحرر من سجون الاحتلال عام 1984م بعدما قضى ثلاث سنوات، فأراد والده تعويض سنوات الحرمان بتزويجه، وبنى له بيتًا في أرضه بـ"العيسوية" عبارة عن غرفة، ومطبخ، وحمام.

ويبين محمد لـ"فلسطين" أنه في عام 1991م بنى غرفة إضافية بعد أن ضاق به البيت لكونه أنجب ثلاثة من الأبناء، ومنذ ذلك الحين أوقع الاحتلال بحقه غرامات كبيرة بحجة عدم الترخيص، ورغم دفعه لها جميعاً وتداول قضيته في محاكم الاحتلال محاولاً استصدار قرار بوقف الهدم لكن كل خطواته باءت بالفشل.

لم يجد محمد أمامه بداً في ظل عدم حصوله على حكم قضائي من الاحتلال سوى بناء غرفتيْن أخرييْن لتزويج ابنه البكر الذي بلغ حينها من العمر 31 عاماً وكان رافضاً لأن يتزوج في شقة بالإيجار لتكاليفه الباهظة في القدس (تبلغ قرابة 2500 شيقل شهريًا بخلاف ضريبة أرنونا، وفاتورتي الكهرباء والماء).

لم يُمهل الاحتلال الإسرائيلي محمد درويش وقتًا لتزويج ابنه، بل هدم البيت كاملاً مفاجأة العام الماضي، "ما باليد حيلة سوى الصبر والصمود، فنحن ندفع ضريبة صمودنا في القدس، ومهما هدموا سنعيد البناء كلما استطعنا ولن نترك لهم الأرض".

بيت من الزينجو

والنكبة الثالثة التي عاشتها العائلة حينما اضطر زياد" "الابن الثاني للحاج عدنان" في مطلع سبتمبر من العام الحالي، لهدم منزلٍ كان قد بناه من الزينجو (الصفيح) بجوار بيته القديم الذي لم يعد يتسع لأبنائه السبعة.

فبيت "زياد" كان صغيراً مكونًا من غرفتيْن ومنافعهما فقط، فأراد أن يتوسع ليخصص غرفة لبناته فاشترى قطعة أرض بجوار منزله وبنى فيها بيتاً من ألواح الصفيح، ومنذ 20 عامًا وهو يدور بين محاكم الاحتلال الإسرائيلية من أجل إثبات حقه وإصدار ترخيص بناء، وكعادة الاحتلال المماطلة لحين الهدم.

يقول زياد لـ"فلسطين": "منذ أغسطس من العام الحالي والاحتلال يرسل لي إخطارات متتالية بالهدم، في خضم انشغاله بزفاف ابنته، ولم تكد تنتهِ مراسم الزفاف، حتى أرسل الاحتلال له تهديدًا إما أن يهدم بيت الصفيح ذاتياً، وإما أن تقوم قواته بهدم البيتيْن معاً على أن يدفع غرامة تُقدر بـ50 ألف شيقل.

وكان "زياد" يتطلع إلى منح بيت الصفيح لابنه الأسير طارق الذي من المفترض أن يُفرج عنه الاحتلال العام المقبل (محكوم بالسجن ست سنوات وعشرة أشهر) لكن حلمه قُتل في مهده.

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يهدم الاحتلال فيها بيتا لـ"زياد" الذي كان شريكاً لوالده في المنزل والبستان اللذيْن هدمهما الاحتلال في عام 1991م في "عناتا".

أما مهران "الابن الثالث للحاج عدنان" الأب لأربعة من الأبناء، ويعيش في غرفتين ومنافعهما منذ 14 عامًا بجوار منزله في العيسوية، فمنزله مهدد بالهدم في أي لحظة، على الرغم من دفعه مخالفة بقيمة 100 شيقل شهري، بخلاف رسوم المحامي، والمحكمة على أمل النجاة من الهدم.

وتعيش عائلة درويش حالة من التشرد لم تتوقف بعد، والمعركة القادمة لا تزال تدور رحاها في محاكم الاحتلال، فهل ينجح "مهران" في الإفلات مع عملية الهدم القسري لبيته؟