رغم ما تركته، وما زالت تتركه، عملية شعفاط الفدائية من آثار نفسية وسياسية وأمنية على الاحتلال، لكن ما تشهده أحياء الشيخ جراح وسلوان والطور وقلنديا ورأس العمود وصور باهر، فضلا عن مخيم شعفاط ذاته، وأحياء أخرى، تجعل الاحتلال يعيش حالة توتر متصاعدة مما قد تحمله الأحداث القادمة من اندلاع موجة جديدة من الهجمات المقدسية.
كثيرة هي الأسباب التي تحفز وقوع موجة يخشاها الإسرائيليون، سواء الاحتعدنانكاك اليومي بين الفلسطينيين والمستوطنين، أو استفزازات هؤلاء المتصاعدة ضد المسجد الأقصى وأصحاب المنازل، أو الانتشار المكثف للشرطة في شوارع المدينة وأزقّتها، ما قد يجعل هذه الأحياء الهادئة نسبيًا بؤرة لاندلاع هبة شعبية يتحسب لها الاحتلال بكل أذرعه الأمنية.
خطورة أي أحداث ذات انخراط جماهيري واسع قد تشهدها أحياء القدس تتجاوز الهجوم الفدائي في شعفاط، على خطورته، فالمستوطنون المقيمون فيها سبق أن عايشوا مثل هذه الهبات الشعبية الفلسطينية، واعتقدوا حينها أن المعارك في أفنية منازلهم، ما يجعل من مثل هذه الأجواء المتوترة تؤثر فيهم جميعًا، مع أن المشكلة تتفاقم فيما تسمى "الأحياء المختلطة"، التي توجد الأكثر منها في شرقي المدينة.
يؤكد هؤلاء المستوطنون أمام كبار ضباط الشرطة والشاباك وحرس الحدود، فضلًا عن المسؤولين السياسيين، أن معجزة فقط أبقتهم على قيد الحياة بعد مرور شهور على اندلاع موجة العمليات الفلسطينية التي بدأت منذ مارس، بما فيها رشق الحجارة والعبوات الناسفة والزجاجات الحارقة، رغم أنها تسفر بين حين وآخر عن إصابات في صفوفهم، ما يشير في عمومه إلى أن الاحتلال ربما يكون في طريقه لفقدان السيطرة على المدينة المقدسة، أو بعض أحيائها على الأقل.
هذا الواقع الأمني المستجد في القدس المحتلة، بجزأيها الشرقي والغربي، دفعت الاحتلال لإجراء مشاورات أمنية مكثفة على مدار الساعة، واتخاذ قرارات بإرسال المزيد من القوات للمدينة، لتعزيزها في الميدان، وصرف الميزانيات الاستثنائية، مع وجود قناعة إسرائيلية بأن ما تشهده القدس، ووصل ذروته في عملية شعفاط، غير منفصل بالطبع عما يحدث في الضفة الغربية عمومًا، وجنين ونابلس خصوصًا، التي أشعلت موجة من التوترات لم تشهدها المدينة منذ فترة طويلة.
وصلت الخلاصة الإسرائيلية أن من يظن أن التوترات الجارية ستبقى مقتصرة على مخيم شعفاط والأحياء الفلسطينية الأخرى، التي تعاني إجراءات الاحتلال ابتداءً، وإهمال السلطات والبلدية انتهاءً، سيتفاجأ باكتشاف أنها ستشمل جميع أحياء المدينة قريبًا، ولا سيما أن من يقود هذه الأحداث شبان مقدسيون، يحملون بطاقات هوية زرقاء، ويقودون سيارات تحمل لوحات صفراء، ويتحركون بحرية في جميع أنحاء المدينة، وهذا سرّ قلق الأمن الإسرائيلي.