في خضم الحديث المتكرر حول "الاستمتاع بالأمومة"، تقف الأمهات العاملات عاجزات عن سماع أو قراءة ما يحمله العنوان، تشعر أثقالًا كبيرة سترقد على صدرها، هذا الشعور لا تفهمه غالبًا الأنثى المقابلة لها _الأم غير العاملة_ الذي يرافقها طيلة رحلة الأمومة من النقص، الشوق، الاحتياج، القرب، الدفء وغيره.
كل ما يُتناول حول موضوع "الاستمتاع بالأمومة" يتجاوز الحديث عن "الأمهات العاملات" وكأنهنّ غير موجودات أصلًا، أو حتى لا يحقّ لهنّ الاستمتاع بالأمومة لكونهنّ اخترن العمل وتحقيق الذات على حساب الأطفال، كأنهنّ خرجن للعمل اختيارًا لا قسرًا! من تحب مثلًا أن تقضي يومها بعيدًا عن أطفالها!
لكل أمّ، تبكي ليلًا بعد أن تودع أطفالها في الفراش، لأن عيونها لم تتسع لرؤيتهم..
لكل أمّ، يلازمها تأنيب الضمير لكونها تقضي في العمل ساعات ما تقضيه مع أطفالها..
لكل أمّ تطمح أن "تبني إنسانًا" وتبذل كل ما في وسعها..
لكل أمّ تدرك أن أبناءها هم انعكاس لها..
كل ما يُطرح حول فكرة الاستمتاع بالأمومة، يتناول كيف يمكن للأم أن تستمتع بأطفالها، فتتبع مراحل نموهم، وتعيها وعيًا حقيقيًا يرسخ في ذهنها. كأن تتبّع المناغاة والضحكة الأولى، المشية الأولى، السنّ الأول، الطعام الأول، وغيرها من المراحل الانتقالية التي يمر بها الطفل.
كما يندرج في إطار الاستمتاع بالأمومة، القراءة والبحث في كل ما له علاقة بعالم الأطفال، وملاحظة كل تصرفاتهم وحركاتهم، والسؤال حول كل ما هو متعلق بهم.
ويندرج أيضًا قضاء الوقت معهم، والتخطيط للعديد من النشاطات التي يمكن ممارستها، والاستمتاع بالعلاقة القائمة على ارتباط الطفل بالأم والعكس كذلك.
وأمام كل ما له صلة "بالاستمتاع بالأمومة" كيف للأم العاملة أن تحقق ذلك، وأن تستمع بأمومتها كباقي النساء، لذا سنقدم مجموعة من الأفكار التي تمكّن الأمهات من تحصيل هذا الاستمتاع بعيدًا عن التوتر النفسي والإرهاق الجسدي والبدني.
1. الوقت النوعي؛ ليس على الأم أن تقضي ساعات طوال مع أطفالها نظرًا لكثرة المشاغل والمهمات التي تنتظرها، وإنما لنوعية الوقت وكيفيته، فلو مكثت ساعة من الحوار أو اللعب مع أطفالها وهي بكامل وعيها جسدًا وعقلًا فستكون أكثر جدوى واستمتاعًا بالنسبة لها وللطفل. مقابل أم تقضي ساعات مع طفلها جسديًا ولكن تكون في حالة انشغال ذهني، فلا يشعر فعليًا الطفل بأن أمّه تخصص له وقتًا، أو حتى تفتح معه قنوات للتواصل الفعّال "النقاش، السؤال، اللعب".
2. المعرفة المتراكمة عن الطفل: قد يصعب على الأم قراءة العديد من الكتب ذات الصلة بعالم الأطفال، وفي ذات الوقت هي محتاجة لمتابعة كافة القضايا والتساؤلات والإِشكاليات المتعلقة بتربية الأبناء، لذا كأحد الحلول المطروحة من الممكن أن تخصص الأم قرابة 15 دقيقة يوميًا لقراءة "مقال واحد فقط"، وإن استمرت على هذه العادة بصورة يومية، فإنها ستستطيع أن تلتحق بالركب المعرفي لكل ما له علاقة بأطفالها. وفي حال احتاجت إلى أن تتطلع على كتاب ما لفت أنظارها تستطيع مثلًا أن تقرأ ملخص لأهم ما ورد في الكتاب، أو أن تقرأ بشكل يومي كتابًا على مدار شهرين مثلًا. عدا عن الكثير من المدونات والمواقع التي تقدم كل ما هو جديد عن الأطفال، والتي تساعد الأم على التصفح السريع والممتع في الوقت ذاته، ولا ننسى "اليوتيوب" عالم كبير من المحاضرات الشيقة التي يمكن الاستماع لها أثناء الطهي أو غسل الأطباق والتي تكون أكثر فائدة في كثير من الأحيان من الكتب ذاتها.
3. التدوين: من الوسائل التي تساعدني "شخصيًا" كأم عاملة على الاستمتاع بأمومتي هي "التدوين"، حيث أقوم بتدوين كل لحظة أو موقف أو مرحلة يمرّ بها طفلي، فأدون مشاعري وردود أفعال طفلي، الحركات، الضحكات، السلوكيات، المواقف. كما أدونّ المشكلات التي يقع فيها وكيف قمت بحلها، هي لحظات من التفريغ النفسي للأم، والاحتفاظ بذكريات جميلة قد يقرؤها الطفل فيما بعد. لا يكون التدوين يوميًا حتى لا يكون مرهقًا وإنما في اللحظات التي تشعر الأم أنه لا بد من تدوينها كي لا ترحل "الصورة" ويرحل معها الشعور في ظل زخم الأحداث والعواطف.
4. اجعلي لك روتينًا ثابتًا: الروتين عادة رائعة لها آثارها الإيجابية على الأم والطفل، كأن تخصص لأطفالها قصة ما قبل النوم، أو تخصص وقت الطعام للحوار مع أبنائها، فتسألهم عن يومهم في ظل غيابها وانشغالها. وينطبق على إفراد يوم واحد أسبوعيًا للخروج إلى مكان ما يرغب به الطفل، كل هذه السلوكيات تشعر الطفل ضمنيًا "أنه موجود في عالم أمه، وأنه يحظى باهتمامها".
5. ضعي الهاتف جانبًا: وجود الهاتف النقال في حياتنا هو كابوس فعلي لدى الكثير من الأمهات، خاصة وأن أمهات عديدة قد يقضين أوقاتًا طويلة على وسائل التواصل الاجتماعي، في حالة عزلة تامة عن أطفالها وبيتها، فهذا الوقت هو فعليًا من حق أطفالها، فعلى المرأة العاملة أن تدرك أنه لا بد أن تكون بكامل "كيانها" مع أبنائها عند عودتها إلى البيت، فلا تنشغل بأمر آخر قد يؤدي إلى ترهل العلاقة أو جفافها.
6. بناء على النقطة السابقة قد تسأل بعض الأمهات ألا يحق للمرأة أن تنعم بشيء من الراحة؟ نعم يحق لها ذلك، ولكن في حال عدم احتياج أطفالها، كأن يكون الأطفال منشغلين مع أصدقائهم، أو خرجوا للعب، أو ناموا مبكرًا، في هذه الحالة يحق للمرأة أن تقضي ما تشاء من الوقت باحثة عن ذاتها وموفرة لسبل الراحة.
7. التخطيط: من أجمل العادات التي تساعد على الاستمتاع بالأمومة هو التخطيط، لا سيما للأم التي لديها أطفال، كأن تدوّن صباحًا كيف تريد أن تقضي يومها مع طفلها، هذا التخطيط سيخفف العبء على الأم لا سيما عند عودتها وهي منهكة، فبدلًا أن تقضي وقتها في الصراخ على أبنائها والاستياء من سلوكياتهم، تكون قد خططت لبعض النشاطات اللطيفة التي تجعل الأطفال في حالة اندماج كامل، بالإضافة لقضاء وقت ممتع. من بين الأفكار مثلا: تلوين الورق، اللعب بالليجو أو المعجون، عمل بوشار، وضعهم في حوض الاستحمام للعب، وغيرها الكثير من الأفكار.
8. أقحمي الأطفال في عالمك: اكتشاف سلوكيات الأطفال والدخول في عالمهم، يكون بالسماح لهم بمشاركتك كأم في عالمك، مثلًا: اسمحي لهم مساعدتك في غسل الصحون، أو ترتيب المنزل، أو في لمّ الغسيل، دعيهم يساعدوك في الطهي أيضًا، اسمحي لهم استقبال الضيوف معك، أو اصطحبيهم للسوق أو لزيارة أحد الأقارب، بهذا يقضي طفلك وقتًا معك، وتنسجين معه اتصالًا جميلًا، وتجعلين طفلك ناضجًا ومتفوقًا على أقرانه ذهنيًا ونفسيًا، معظم الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول مع الأم أو الأب هم أكثر ثقة بالذات، وأكثر قدرة على نسج العلاقات مع الآخرين. علينا أن نتجنب كأهل فكرة إقصاء الطفل عن عالمنا لأنه "طفل"، بل لا بد من إدماجه في عالمنا والسماح له بمشاركتنا.
9. الكثير المنقطع، تجنبي الكثير المنقطع من السلوكيات مع أطفالك وتفعيل قاعدة "القليل الدائم" قصة يومية واحدة بشكل مستمر، أفضل من 10 قصص في يوم واحد وانقطاع يدوم شهرًا، جلسة نصف ساعة يوميًا مع الطفل أفضل من 4 ساعات في يوم وغياب لأسابيع عنه، حوار 10 دقائق يوميًا أفضل من جلسة ساعة خلال اسبوع، فالعادة اليومية تعزز العلاقة بين الطفل والأم، وتجعلها أكثر حيوية وجمالًا.