منذ لحظات ارتباط الأنثى بالرجل الذي تحلم به؛ تظهر بعض السلوكيات التي تكشف عن مدى تعلّقها بشريك الحياة، ولو كانت معرفتها به لا تتعدى "يوماً واحداً" وربما لحظات؛ وغالباَ ما يكون السلوك متبوعاً بتغيير صورة "البروفايل" بصورة شخصية للرجل الذي حظيت به، أو صورة تعبر عن وقوعها في "الحب" !
ورغم تعدد الطرق التي تعبر فيها الأنثى عن الحالة التي تحياها في مرحلة "الخطوبة" تحديداً، إما من خلال وضع صورة "الدبل" أو "قلب حب" " أو صورة رجل وامرأة في حالة رومانسية "، يبدو الرجل " ثابتاً" بحيث لا تظهر عليه أعراض أي من الحالات المذكورة سابقاً، فنادراً ما نرى رجلا يمرّ بشكل علني بنفس الحالة التي تعيشها الأنثى؛ هو يعيش لحظات في الخفاء لكن لا يعلن عن ذلك، ربما لاختلاف طبيعة الأنثى عن الرجل؛ لكن الفكرة المهمة في هذا الطرح، لماذا تعيش الأنثى منذ لحظات ارتباطها أسطورة "أنا وإياه قلب وعقل وجسد واحد"؟.
يعيش الشريكان هذه الأسطورة في لحظات الخطوبة، والتي لا يحملان فيها أي نوع من المسؤولية، ولا يبدو الطريق وعراً في ظل خلوّ لحظات اللقاء من الحديث عن أعباء البيت وتربية الأبناء وتوفير لقمة العيش، فيشغل حديث الحب والشوق المجالس، وتصل العلاقة العاطفية ذروتها، وهنا يشعر الشريكان بالاندماج الكامل، ويصل كلاهما إلى مرحلة من التعلق الشديد الذي يختفي بريقه عند الزواج، هذا الاندماج يبدو اسطورياً لكلا الشريكين بحيث لا تكدره عبارة "بعينك الله خود ارم الزبالة" أو "الله يخليك لا تنسى ربطة الخبز" أو " أنت مروح جيب التحاميل لابنك".
لا تدرك بعض الإناث أن أسطورة " العقل والقلب والجسد الواحد" غير فعّالة في الحياة الزوجية، تخيّل أن كلا من الرجل والمرأة جاءا من بيئة مختلفة، وعايشا تجارب ومواقف مختلفة، وتربى كل منهما بصورة مختلفة أيضاً، أضف إلى ذلك أن كلا منهما يحمل في داخله باقة من الأفكار والعواطف والمشاعر.
وأمام كل هذا الاختلاف تطرح فكرة "الذوبان" بالشريك بطريقة خرافية، أو دعنا نقول غير منطقية أو جنونية، تجعل كلا من الشريكين يضع سقفاً عالياً حول حياته مع الشريك، ويرسم توقعات مثالية لعلاقته به، وكأنه جاء من كوكب آخر، ما يؤدي إلى صدام بينهما فيما بعد، والذي قد يعبر عنه "بصدمة العلاقة"، وعادة ما يمر بها الشريكان مؤخراً من خلال سؤال لماذا ارتبطت به/ها؟ .. هل معيار الاختيار لم يكن صحيحاً أم أنه تغير أم هي تغيرت؟
لكل من الرجل والمرأة كيانه الخاص، المتفرد، المستقل، لا يمكن تذويب كل منهما بالآخر، كوني أعيش مع الرجل الذي أحلم به، أو كوني أعيش مع المرأة التي أحلم بها لا يعني أننا "واحد" بل نحن اثنان؛ أي قلبان، عقلان، روحان، جسدان. علينا أن نتجنب فكرة الذوبان والتي تؤدي لإلغاء شخصية كل من الشريكين لصالح الآخر فإما أن يشعر أحدهما أنه مستسلم ومنصاع للطرف الآخر، أو أن يكون متمرداً. بينما احترام فكرة " استقلالية الكيان" تترك نوعا من الخصوصية والمساحة والمرونة في علاقة الشريكين بحيث يكون الوصول إلى التفاهم والانسجام أمراً سهلاً ومتاحاً.
وربما هذا ما يفسر سبب خبوت وهج الأنثى عندما تتزوج، لا سيما وأن تكون متوقدة معطاءة قبل الارتباط، وتبدأ بالاستسلام والخضوع لرغبات الشريك، بدعوى "إحنا قررنا" لا بصيغة "أنا" قررت و"هو" قرر، ثم الوصول إلى توليفة من القرارات التي يمكن أن تحافظ على سجيّة وطبع وكيان كل شريك.
الحفاظ على استقلالية كيان الشريك لا تعني أن يعيش كل منهما في عالم آخر، ولا أن يتمرد كل منهما على الآخر فتكون العلاقة "ندّية" بل فكرة الاستقلالية تحرر الشريكين من الخضوع لفكرة "الكيان الواحد" "والعقل الواحد" أي فكرة الأحادية، والتي ينعكس أُثرها على الأبناء بشكل بارز؛ تخيل أسرة يحترم فيها الأب شخصية الزوجة ويقدر آراءها ويأخذ بأفكارها ونصائحها والعكس بالنسبة للزوجة، وأسرة أخرى الرجل فيها هو من يقرر ويفكر وينفذ، أو الزوجة هي من تفعل كل ذلك.
الارتباط الناجح هو الذي يزيدنا قوّة، ويمنحنا الاستقلالية، ويجعلنا متوهجّين في هذه الحياة، بل هو الذي يوهبنا عافية العقل والنفس والجسد، بل وعافية الحب والرضا عن الذات.