أراضي الضفة الغربية لن تشهد انتفاضة جماهيرية بحجم انتفاضة 87 من حيث حجم الجماهير التي انخرطت فيها أو من حيث عدد المدن والقرى والمخيمات التي كانت تعمل في آن واحد، وذلك لسبب بسيط هو أن انتشار جيش الاحتلال لم يعد كالسابق في الضفة الغربية، فالمدن الآن خالية من وجود الجيش تقريبًا، وكذلك القرى والمخيمات، والاشتباكات تحدث مع الجيش فقط عند اقتحامه لتلك التجمعات السكنية، رغم أن الغضب الشعبي حاليًّا قد يفوق غضبه في ثمانينيات القرن الماضي.
ما يحدث الآن في الضفة الغربية من عمليات إطلاق نار وطعن ومواجهات على امتداد الضفة هو انتفاضة مسلحة ضد جيش الاحتلال وهي أشد خطورة من انتفاضة 1987، وإذا استطاع جيش الاحتلال بالتعاون مع شركائه في المنطقة في خداع شعبنا ووقف انتفاضته الأولى من خلال التفاوض مع منظمة التحرير والوصول إلى اتفاقية أوسلو وخدعة الدولة الفلسطينية فإن هذا الخيار لم يعد متاحًا لأن منظمة التحرير فشلت في تحقيق برنامجها السياسي القائم على التنازل عن ثلاثة أرباع الوطن، وفشلت في تأمين الأمن والحياة الطبيعية للسكان في الربع المتبقي، بل إن تفاوضها مع الاحتلال وملاحقة الوهم أدى إلى امتلاء الضفة الغربية بالمستوطنات والمستوطنين وأدى إلى تجرؤ أنظمة عربية على التطبيع مع الاحتلال والاصطفاف إلى جانبه ضد الشعب الفلسطيني وقضيته.
جيش الاحتلال أقر بأن أبشع كوابيسه بدأت تتحقق وهو فقدان السيطرة في الضفة الغربية وانتشار العمل المسلح في مناطق كانت "آمنة" جدًّا، حركة السير في الشوارع الالتفافية الخاصة بالمستوطنين تراجعت بشكل ملحوظ والتنقل بات خطيرًا، ورغم الاستفزازات والجرائم التي يقوم بها المستوطنون إلا أنهم يعيشون حالة رعب شديد وقد تراجع عدد جرائمهم ضد مساكن وحقول سكان القرى الفلسطينية وخاصة في موسم الزيتون بعد تعرض مسيراتهم ومركباتهم إلى إطلاق نار، فالحجارة تخفيهم ولكن الرصاص أرعبهم ووضع حدًّا لتغولهم والقادم ربما يكون أشد عليهم.
المسؤول عن نهضة الضفة الغربية وانطلاق الانتفاضة المسلحة فيها هو جيش الاحتلال الإسرائيلي وعمليات القتل بدم بارد التي تستهدف الشباب دون سبب، وكذلك جرائم المستوطنين وتدنيسهم للمقدسات الإسلامية وعربدتهم واستفزازهم المتعمد للمسلمين من خلال خرافاتهم حول الهيكل والنفخ في البوق وتقديم القرابين وها هم يدفعون الثمن ويبثون دون قصد روح المقاومة في شباب الضفة الغربية التي أصبح لديها رموز جديدة للمقاومة مثل آباء وأمهات الشهداء، وأصبحوا يتغنون بصور انتصار صنعوها مثل عملية شعفاط و(تل أبيب) ومقاومة جنين وعرين الأسود، فهذه الانتفاضة تتمدد وتتعمق وقد تكون بداية لمرحلة جديدة من التحرير.