مع تعثُّر إنجاز الاتفاق اللبناني الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية، وإمكانية تأجيل المفاوضات إلى ما بعد إجراء الانتخابات المبكرة الخامسة في دولة الاحتلال أوائل نوفمبر القادم، تتزايد التقديرات التي تشير أن الجانبين -لبنان والاحتلال- مستفيدان من الاتفاق، وإن كانت النسب متباينة، وكلّ من وجهة نظره.
صحيح أن المعارضة الإسرائيلية اتهمت الحكومة بالتنازل أمام لبنان خشية تهديدات حزب الله، لكن تفاصيل مسودة الاتفاق لا تترك شكوكًا كبيرة بأنه يخدم مصالح الاحتلال الأمنية والسياسية والاقتصادية جيدًا، رغم وجود استنفار إسرائيلي لافت للرد على أي محاولة من الحزب لمنع الاحتلال من الاستفادة من حقل "كاريش" قبل الاتفاق الكامل مع لبنان.
اليوم، من الواضح أن مفاوضات الجانبين دخلت مرحلة دراماتيكية بعد رفض الاحتلال التعديلات اللبنانية على اقتراح الوساطة الأمريكية، لا سيما في قضيتين أساسيتين، الأمن والاقتصاد، في الأولى يصر الاحتلال كما يبدو على ضمان الوضع الراهن على الأقل فيما يتعلق بـ"خط الحماية" كحاجز عازل بينهما، بما يسمح بوجود قطعه البحرية للسيطرة على النيران، ومراقبة المنطقة قرب حدودهما، ومنع الهجمات والتسلل من البحر نحو مستوطناته الساحلية.
أما الملاحظات الاقتصادية، فلم يتردد الاحتلال بمعارضة التدخل اللبناني في موضوع التعويض عن ضخ الغاز من خزان قانا، حيث يقع طرفه الجنوبي في المياه الاقتصادية للاحتلال، الذي يصر على مناقشة المسألة مع الشركتين الخاصتين، وليس مع الدولة اللبنانية ذاته، خشية اتهام المعارضة الإسرائيلية للحكومة بدفع أموال لها.
في الوقت ذاته، فقد تحول الاتفاق البحري مع لبنان مثار جدل وخلاف سياسي عشية ذهاب الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع، حيث يعيشون واقعًا ملؤه الاستقطاب الحزبي الداخلي، مما عمل على خلط التطلعات الشخصية للمتنافسين مع وجهات نظر الخبراء الإستراتيجية والأمنية، بما قد يربك الموقف الإسرائيلي، ويجعل "النكهة" الانتخابية فيه أوضح من أن يتم إخفاؤها، أو التعتيم عليها.
مع العلم أن الاتفاق المطروح على الطاولة، سواء تم توقيعه أو إرجاؤه لما بعد الانتخابات، فإنه بنظر الإسرائيليين من شأنه تقليل خطر التدهور إلى صراع عسكري واسع النطاق ومدمّر للجانبين، لا سيما وأنه من وجهة نظر سياسية واقتصادية وأمنية، فإن الخطوط العريضة للاتفاق، تعزز مصالح الاحتلال من وجهة النظر الأمنية.
الآن وبعد رفض الاحتلال لمطالب لبنان الأخيرة بإجراء تعديلات إضافية على مسودة الاتفاق، فإن إنهاء المفاوضات يعني الانتظار لما بعد الانتخابات، رغم أن الاحتلال بادر في الساعات الأخيرة لإعلان بدء بعض الترتيبات في حقل غاز "كاريش" لربطها بمنظومته الغازية، بطريقة تظهر أنه لا يخشى تهديدات حزب الله، ما قد يجعل الأمور مفتوحة على جملة من السيناريوهات الميدانية والعسكرية، قد تجد طريقها للتحقق في قادم الأيام.