يبدو أن معركة خلافة الرئيس محمود عباس قد بدأت من واشنطن. حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية، وأمين سرّ اللجنة التنفيذية بتعيين محمود عباس له، زار واشنطن قبل أيام والتقى بقيادات وازنة في البيت الأبيض، منها مسؤول الأمن القومي، ومسؤولون في وزارة الخارجية. هذه الزيارة التي حظيت بدعم من محمود عباس لم يحظَّ بها بشكل منفرد أي من المنافسين لحسين الشيخ.
إنه وبغض النظر عن الموضوعات السياسية والأمنية التي تناقش فيها الشيخ مع قيادات البيت الأبيض، فإن المسألة الأساس تدور حول سؤال: هل منح البيت الأبيض صوته للشيخ ليكون خليفة محمود عباس، أم أن الزيارة كانت استكشافية، ولما تتمخض عن قرارات حاسمة في هذا المجال؟
الإجابة عن سؤال الزيارة يحتاج إلى معرفة ما جرى في الغرف المغلقة، وهو غير متاح الآن، ولكن الإشارات الدالة من الزيارة نفسها، ومن اللقاءات، ومن التصريحات الأمريكية تعطي انطباعا أن الشيخ يحتل مرتبة متقدمة بين الشخصيات المحتملة لخلافة عباس في الأجندة الأمريكية، وقد قالت بهذا الاستنتاج مقالات رأي عبرية، من بينها مقال ليوني بن مناحيم وهو مختص بالشأن الفلسطيني.
نعم، الغطاء الأمريكي مهم، ولكنه ليس كل شيء في قضية الخلافة، بل يمكن القول بأن الغطاء الحزبي داخل حركة فتح، والغطاء الشعبي بشكل عام هما أهم من الغطاء الأمريكي. ولا أظن أن حسين الشيخ يحظى برضا الأغلبية في فتح، فاستطلاعات الرأي تعطيه نسبة متدنية جدا، وهو يتحرك وسط منافسين أقوياء في حركة فتح، ولديهم قدرة على قلب الطاولة، وهذه القدرة تبعث برسائل قلق في البيت الأبيض و(تل أبيب).
ولا يكاد الشيخ يتمتع بغطاء شعبي، فالشعب الفلسطيني المسكون بالكرامة وطلب الحرية وتقرير المصير يشك كثيرا فيمن يتولى منصب وزير الشؤون المدنية، ويرى فيه متعاونا مع الاحتلال، حتى وإن قدم خدمات مدنية وظيفية للسكان. وفي مثل هذه الحالة تفضل الأغلبية زعامة شخصية بعيدة عن المنسق الإسرائيلي، وعن الشؤون المدنية. وفي الوقت نفسه تعترض الفصائل فيما يبدو لي على خلافة الشيخ لعباس.
مأ أود قوله إن معركة خلافة عباس-الشيخ لها بدايتين: الأولى يوم عيّن عباس الشيخ أمينا لسر اللجنة التنفيذية. والثانية يوم زار الشيخ البيت الأبيض. ولكن هذه المعركة مسكونة بتحولات وبألغام وبصراع قوى عديدة. أي هي معركة غير محسومة النتائج. ولأننا يجب أن نحذر المعارك الداخلية، فإنه يجدر البحث عن حل ديمقراطي يشارك فيه الشعب، ويجدر الابتعاد عن الشخصيات التي بنت قوتها من تبادل المصالح مع العدو من خلال الوظيفة على حساب القضية، وتلك التي سكن العدو جزءا من قلبها وعقلها، أو تحمل جلّ رؤيته.