من المقرر أن تستضيف الجزائر قمة فلسطينية في العاشر من أكتوبر تجمع فيها قادة الفصائل الفلسطينية لبحث ملف المصالحة وإنهاء الانقسام، وقمة عربية في نوفمبر تجمع فيها زعماء الدول العربية.
ما فرص نجاح الجزائر في جهود المصالحة؟ وما أبرز التحديات التي تعترض المصالحة الفلسطينية؟ وكيف من الممكن الاستفادة فلسطينيًّا من القمة العربية في الجزائر؟
مكانة فلسطين في قلوب الجزائريين لا أبالغ إن قلت إنها تتجاوز مكانة الجزائر عند الجزائريين، وهذا لمسته قولًا وفعلًا خلال زيارتي للجزائر في مطلع مارس/2006م، عندما زرتها في مهمة رسمية للمشاركة في أحد المؤتمرات العربية التي استضافتها العاصمة الجزائرية ممثلًا عن السلطة الفلسطينية في ذلك الوقت، كيف لا وهي من أكثر الدول العربية التزامًا في دعم الموازنة الفلسطينية، ومن أكثر الدول التي يتشارك ويتوافق النظام والمعارضة والشعب في حب فلسطين ودعم مقاومتها ضد الاحتلال، ومن يقول إن الجزائري يشبه الفلسطيني في كثير من أطباعه وسماته الشخصية هذا صحيح وإلى حد كبير، ولا سيما في سمات الشهامة والمروءة والتضحية، فهي بلد المليون شهيد ويزيد، حتى في كرة القدم شجع الجزائريين منتخب فلسطين في مباراته مع منتخبهم الوطني، هذه الجزائر وهذا شعبها الذي يعشق تراب فلسطين ويعشقها الفلسطيني.
وفقًا لما سبق يشعر جزء كبير من الفلسطينيين بالقلق من تكرار سيناريوهات فشل جهود المصالحة، التي قادتها مصر وقطر والسنغال وقطاع غزة وموسكو إلخ... وانعكاس هذا الفشل على صورة فلسطين والفلسطينيين في الوعي الجمعي الجزائري، وانطلاقًا من الحاجة الوطنية لإنهاء الانقسام وتوحيد الجهود في بناء نظام سياسي ديمقراطي موحد يكون قادرًا على مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.
السياق التاريخي لجهود المصالحة وجوهره الفشل، يزيد من الصوت الذي لا يراهن على مؤتمر القمة في الجزائر، ويتوقع تكرار الفشل مرة أخرى، رغم حرص الجزائر على تجاوز مناخ الفشل عبر الجلوس مع كل فصيل فلسطيني على حدة، ودراسة تجارب المصالحة السابقة، والوقوف عند كل المعوقات التي أفشلتها، وعليه يتوقع الكثيرون أن بحوزة الدولة الجزائرية خريطة طريق شاملة وواضحة تراعي التحديات وتتجاوز التفاصيل التي لطالما أفسدها الشيطان الذي يكمن في تفاصيلها.
إن من أهم التحديات التي تعترض قطار المصالحة وعلى الدولة الجزائرية العمل الجاد على استدراكه في مبادرتها ما يأتي:
.1 التحديات الخارجية:
مصالح (إسرائيل) الأمنية تتربع على سلم التحديات الخارجية للمصالحة الوطنية، لما يربطها من قوة تأثير في صناع القرار في الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية التي تربط مساعداتها للسلطة الفلسطينية بمدى التزامها عملية التسوية مع (إسرائيل) وحفاظها على الأمن والاستقرار بالمنطقة، ودعمها للتعايش الإيجابي مع دولة الاحتلال، وبذلك يرتبط مستقبل السلطة الفلسطينية بدورها الوظيفي وموقفها السياسي، وهذا ما عبرت عنه معظم الدول الغربية في تعليقها على مسألة المصالحة مع حماس.
.2 التحديات الداخلية:
هناك العديد من التحديات الداخلية لإنجاح جهود المصالحة الوطنية في الجزائر، وأهم هذه التحديات هو مدى انصياع النخب السياسية للضغوط الخارجية، ولجماعات المصالح المستفيدة من حالة الانقسام، ومدى قدرة حركتي فتح وحماس على تجاوز القضايا التفصيلية في تنفيذ اتفاق المصالحة، فالشيطان في التفاصيل، ومدى قدرة الدولة الجزائرية ومن خلفها كل الدول العربية من توفير شبكة أمان للنظام السياسي الفلسطيني ومتطلباته السياسية الإعلامية والمالية، وحماية خيارات الشعب الفلسطيني في ظل انقلاب (إسرائيل) الواضح على كل الاتفاقية السياسية، وتبنيها مشاريع استيطانية تنهي وهم "حل الدولتين".
إن نجاح جهود الجزائر في لم الشمل الفلسطيني من شأنه أن يشكل رافعة للقضية الفلسطينية في ظل حالة التدهور الحاد في الموقف العربي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وانطلاق قطار التطبيع بشكل متسارع، في انقلاب واضح وصريح على مبادرة السلام العربية والتي تم تبنيها في قمة بيروت عام 2002م، وجوهرها يقول: لا سلام مع (إسرائيل) دون حل الصراع العربي الإسرائيلي، وعليه تستطيع الجزائر إعادة البوصلة العربية لمسارها الواضح نحو فلسطين وقضيتها العادلة لو أحسنت الفصائل التصرف وأنجحوا الدور الجزائري، لعل وعسى تكون المصالحة الفلسطينية مدخلًا لمصالحة عربية أشمل، وإعادة التقييم في علاقات بعض الدول مع (إسرائيل) والتي لم يستفد منها أحد غير (إسرائيل) وأمنها القومي.