مقترح ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال (إسرائيل) ليس مقترحا أمريكيا كما يقولون، ولا هو من أجل تحقيق مصالح اقتصادية للطرفين، إذ إن المكاسب الاقتصادية للعدو الاسرائيلي تأتي في المرتبة الثالثة بعد المكاسب الأمنية والسياسية التي تحققها (إسرائيل) وباعتراف صريح من قادتها.
ينسبون الاقتراح أو مشروع الاتفاق إلى أمريكا بصفتها وسيطا بين لبنان و(إسرائيل)، والصحيح أن صاحب المقترح هو عاموس هوكشتاين الذي ولد في فلسطين المحتلة لأبوين قدما مع الغزاة من الخارج، وخدم في جيش الاحتلال ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وشق طريقه بكل سهولة في الوسط السياسي الأمريكي، وعمل في الكونغرس الأمريكي، ومع أكثر من إدارة أمريكية في البيت الأبيض، وهذا يعني أن هوكشتاين قدم مقترحا إسرائيليا ولا علاقة للولايات المتحدة سوى برعايته وتوفير مظلة للتعتيم على حقيقة من يقف خلف الصفقة المشبوهة.
المكسب الاقتصادي لدولة الاحتلال كبير جدا ولكنه لا يقارن بالمكاسب الأمنية والسياسية، إذ إنه عند توقيع الاتفاق سيكون ملزما وسيودع لدى الأمم المتحدة بطريقة تكرسه في القانون الدولي. وستضمنه الحكومتان الأمريكية والفرنسية. لا أعتقد أن الاتفاق يذكر (إسرائيل) أنها دولة احتلال، بل سيذكرها أنها دولة شرعية وذات سيادة، وهذا أخطر ما في الاتفاق.
منظمة التحرير الفلسطينية وقعت اتفاق أوسلو مع دولة الاحتلال (إسرائيل)، ونحن نرى أنه بعد مضي ثلاثة عقود على الاتفاقية لم تقم دولة فلسطينية وفي المقابل حصلت دولة الاحتلال على اعتراف دولي واسع بشرعيتها الزائفة، كما أن دولا عربية كثيرة اعترفت بدولة الاحتلال وأصبحت شريكا سياسيا واقتصاديا وأمنيا لها، بل وحليفا ضد الفلسطينيين وقضيتهم، وهذا يعني أن أي اتفاق تنجزه (إسرائيل) مع العرب تستفيد منه إلى أقصى الحدود، ولا يستفيد منه العرب إلا الفتات.
اللافت للانتباه أن قضية ترسيم الحدود بين لبنان والمحتل الإسرائيلي طُرحت بقوة بعد سنوات من التآمر على لبنان واقتصاده، حتى أفقدت اللبنانيين الأمل في عودة الحياة إلى طبيعتها، فقد تبخرت أموالهم وفقدت عملتهم قيمتها، ولم تعد الحياة تطاق بكل ما تعنيه الكلمة، ثم فجأة تجد لبنان أن مخرجها الوحيد هو مخزونها من الغاز الطبيعي في حقل قانا، الذي سيخرج البلد من كل مشكلاته، ولا يحتاج الأمر إلا لتوقيع اتفاق ترسيم حدود مع المحتل الإسرائيلي، وهذا باعتقادي سبب كافٍ لاتهام أطراف دولية وعلى رأسها دولة الاحتلال بما حدث ويحدث في لبنان، مع الإشارة إلى أنه بهذا الاتفاق تكون دولة الاحتلال قد أحكمت قبضتها على حدود فلسطين مع حدود دول الطوق كافة، لكن كل ما تفعله دولة الاحتلال لن يجلب لها الأمن ولن يطيل في عمرها؛ لأن كل الاتفاقات التي تنجزها مع الأنظمة غير ملزمة للشعوب العربية، ولا للأجيال القادمة.