أيام قليلة فصلت بين إفراج الاحتلال الإسرائيلي عن عدد من الأسرى لديه في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، وبين اعتقال أجهزة أمن السلطة لهم وإخضاعهم للتحقيق على القضية ذاتها التي اعتقلوا على خلفيتها لدى الاحتلال.
ويأتي اعتقال أجهزة السلطة للمحررين في مدينة نابلس، ضمن سياسة "الباب الدوار" التي ترسخت بالتعاون الأمني بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي بموجب اتفاقية "أوسلو"، وفق ما يقول مراقبون.
ويحتل المحررون، والمطاردون لقوات الاحتلال، النسبة الأكبر من المعتقلين السياسيين في سجون أجهزة السلطة، إذ يخضعون للتحقيق على خلفية نشاطهم ضد الاحتلال، وحيازتهم أسلحة خاصة بالمقاومة.
وفي 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، اعتقلت أجهزة السلطة مصعب اشتية (30 عامًا)، أحد أبرز المطاردين في مدينة نابلس، وذلك بعد شهور على مطاردته وإخفاق قوات الاحتلال في اغتياله، وقبل أيام حصل على قرار قضائي بالإفراج عنه لكن دون تنفيذ من قبل أجهزة أمن السلطة.
يقول الكاتب والمحلل السياسي، أحمد المغربي، إن سياسة "الباب الدوار" من أبرز مظاهر "التنسيق الأمني" الذي تمارسه السلطة، فتقوم أجهزتها الأمنية عبره باعتقال المطاردين في الضفة والتحقيق معهم وانتزاع المعلومات منهم بشتى الوسائل.
وأوضح المغربي لصحيفة "فلسطين"، أن أبرز أشكال التحقيق التي تستخدمها السلطة مع المعتقلين هي التعذيب الجسدي والنفسي، ومن ثم تقوم بنقل هذه المعلومات للاحتلال، الذي يقوم بدوره باعتقال هؤلاء الشباب بعد أن تفرج عنهم السلطة، وحينها يكون ملف هذا المطارد جاهزاً.
ولفت إلى أن قادة الاحتلال لا يخفون رضاهم عن دور السلطة في كشف العديد من خلايا المقاومة وتسليمها للاحتلال، والمساعدة التي تقدمها في ملاحقة المطاردين في الضفة.
وذكر أن معظم المعتقلين والشهداء في الفترة الأخيرة تعرضوا للاعتقال في سجون السلطة، قبل أن يقوم الاحتلال باعتقالهم أو تصفيتهم، ما يوحي بأن هناك تكاملًا واصطفافًا كبيرًا بين السلطة والاحتلال في انحطاط غير مسبوق في العلاقة بينهما.
وبحسب المغربي فإنه "ليس مفاجئاً أن التهم التي يتم توجيهها للمعتقلين السياسيين في سجون السلطة، هي ذات التهم التي يوجهها لهم الاحتلال في وقت لاحق، ما يؤكد تواطؤ أجهزة السلطة الكامل مع الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني ومقاومته في الضفة".
ويتوقع المحلل السياسي، أن تفشل سياسة "الباب الدوار" مثلما فشلت كل سياسات الاحتلال السابقة في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، أو النيل من صمود مقاومته في مدن وبلدات الضفة المحتلة.
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي راشد البابلي أنه منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، لا تزال أجهزة أمن السلطة تنفذ سياسة واضحة المعالم أو ما هو معروف إعلامياً بسياسة "الباب الدوار"، أي اعتقال المقاومين والتحقيق معهم ثم تسليم ملف التحقيق للاحتلال.
وقال البابلي لصحيفة "فلسطين: "منذ تشكيل السلطة ظل التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، الذي يعد تجسيدًا لبنود اتفاق أوسلو مثار رفض واسع في الشارع الفلسطيني لأن الفكرة من أساسها غير مقبولة، والمواصلة فيها بدون أي تقدم يذكر على مسار حل القضية الفلسطينية".
وأضاف: إن التحول الخطير فيما بتعلق بسياسة "الباب الدوار" انتقل من تسليم ملفات المقاومين والنشطاء إلى قتلهم بدلًا من اعتقالهم كما حدث مؤخرًا في جنين، الأمر الذي أكدته الفصائل المقاومة داخل جنين، وذوو الشهداء، بأن معظم الشهداء والأسرى الذين ارتقوا مؤخراً في مخيم جنين، سبق أن تم اعتقالهم لدى أجهزة السلطة أو هم مطلوبون لديها.
وأشار إلى أن السنوات الماضية شهدت العشرات بل المئات من حالات الاعتقال والاستجواب التي تعرض لها نشطاء ومحررون ما يؤكد عمق التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، وزيادة الفجوة بين السلطة والشارع الفلسطيني الرافض لهذه السياسة.
ويعتقد البابلي أن مواصلة السلطة التنسيق الأمني مع الاحتلال لمواجهة المقاومة وإضعاف قدرتها يتناسق مع توجهات حكومة الاحتلال بل وينعكس إيجاباً على تحسين قدرة حكومة الاحتلال على تنفيذ سياساتها.