لا تكاد جرائم الاغتيال التي يُنفّذها جيش الاحتلال الإسرائيلي تخلو من اختطافه جثامين الشهداء، في مشهد أصبح يتكرر كثيرًا في القدس والضفة الغربية والداخل المحتل.
وأعاد جيش الاحتلال هذا المشهد، أول من أمس، باختطافه جثمان شهيد قتله قرب مخيم الجلزون قضاء مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وأصاب اثنين معه واعتقلهما.
وارتقى الشاب خالد عنبر (21 عامًا) في كمين أعده جنود الاحتلال قرب ضاحية التربية والتعليم شمالي مخيم الجلزون، عقب إطلاق الرصاص صوبه واثنين آخرَين داخل مركبتهم أُصيبا بجراح.
ويتبع الاحتلال هذا الأسلوب بعد قتل المواطنين واغتيال المقاومين منذ سنوات طويلة تسبق عهد انتفاضة الحجارة 1987- 1993، في ظاهرة يعدُّها مراقبون جريمة مكتملة الأركان، وتمثل عقابًا لعوائل الشهداء، ومحاولة للضغط على المقاومة في أي صفقات تبادل مقبلة.
وفي انتفاضة القدس التي اندلعت في الأول من أكتوبر/ تشرين الثاني 2015، ويُحيي الشعب الفلسطيني ذكراها هذه الأيام، زادت جرائم اختطاف جثامين الشهداء، وحرمان ذويهم مواراة أجسادهم في الثرى بطريقة لائقة.
وكان الشهيد مصباح أبو صبيح (39 عامًا) مُنفّذ العملية الفدائية في حي الشيخ جراح المهدد بالتهجير، في 9 أكتوبر 2016، أحد الذين احتجز الاحتلال جثامينهم ويرفض الإفراج عنه، كما يقول شقيقه جابر.
وأسفرت عملية أبو صبيح عن مقتل مستوطنَين. وأضاف شقيق الشهيد لـصحيفة "فلسطين" أنّ العائلة لم تترك جهة أو مؤسسة حقوقية إلا و لجأت إليها لتوثيق جريمة الاحتلال، في محاولة لدفعه للإفراج عن جثمان ابنها، لكن جميعها باءت بالفشل بفعل تعنته.
وكان أبو صبيح سأل ضباطا في مخابرات الاحتلال في أثناء التحقيق معه عن جثمان شقيقه الشهيد، فرد عليه أحدهم: "لا تحلموا أن نفرج عنه".
ويحرص وعائلته على المشاركة في فعاليات المطالبة بجثامين الشهداء منذ سنوات، ولا يكاد يترك واحدة منها، لافتا إلى حالة من التعاطف مع قضية جثامين الشهداء وعوائلهم.
ونبه إلى أن تقصير مؤسسات السلطة والحقوقية "واضح في ملف جثامين الشهداء المحتجزة، ويجب أن يكون هناك دور كبير في هذا الملف، خاصة من السلطة".
وأضاف أنه بدلًا من أن يطلب رئيس السلطة محمود عباس الحماية من الأمم المتحدة، كان يجب أن يتحدث عن جريمة احتجاز جثامين الشهداء، في وقت لا تعرف فيه الكثير من العائلات مصير جثامين أبنائها إن كانت في "مقابر الأرقام" أو ثلاجات الموتى الإسرائيلية.
وتتهم تقارير صحفية وحقوقية الاحتلال بسرقة أعضاء بشرية من جثامين الشهداء، والاتجار فيها واستخدامها.
وكان رئيس حكومة رام الله محمد اشتية، قد أفاد في 4 يوليو/ تموز الماضي، باستخدام جثامين الشهداء في مختبرات كليات الطب في بعض الجامعات الإسرائيلية بالداخل المحتل.
واستنادًا إلى أنّ أهالي الشهداء والتقرير الرسمي الذي نشرته وزارة الإعلام في حكومة رام الله، في 18 إبريل/ نيسان الماضي، فإنّ الاحتلال يحتجز جثامين 104 شهداء في الثلاجات، و256 شهيدًا في "مقابر الأرقام"، إضافة إلى احتجازه جثامين 15 شهيدًا منذ مطلع 2022.
ويؤكد محمد عليان، والد الشهيد بهاء المختطف جثمانه لدى الاحتلال، أن سياسة مصادرة جثامين الشهداء لا تزال تشهد تصاعدًا كبيرًا.
وعد عليان لـ"فلسطين" أنّ الاحتلال يهدف من وراء اختطاف الجثامين إلى الانتقام من الشهيد ومعاقبة أهله، وعدم خروج جنازة له يشارك فيها عشرات آلاف المواطنين، مشيرا إلى أن الاحتلال يتعامل مع قضية الجثامين أيضا كورقة رابحة في أي مفاوضات صفقة تبادل مع المقاومة مستقبلا.
وبيَّن أنه توجه كعائلة وناشط في فعاليات المطالبة بالجثامين إلى محكمة الاحتلال العليا لكنها تماهت مع سياسة المحتل وأجازت لجيشه اختطاف الجثامين واحتجازها، واستخدامها ورقة مساومة في أي مفاوضات مقبلة مع المقاومة.
ويسعى الاحتلال بانتهاكاته بحق جثامين الشهداء إلى إيصال رسالة إلى كل شاب فلسطيني أنّ من يُقبل على القيام بعمل مقاوم سيكون مصيره مصير المحتجزة جثامينهم، ورسالة لأهالي الشهداء أنّ أبناءكم سيوضعون في الثلاجات ومقابر الأرقام، لكنّ هذه الانتهاكات كلها، كما يرى عليان، لن تؤثر في شعبنا المقاوم، الذي يلجأ الاحتلال إلى فرض عقوبات جماعية عليه.
وأكد ضرورة الاهتمام بالجهود الدولية المبذولة لتدويل هذا الملف، وإيصاله إلى المحكمة الجنائية الدولية، وملاحقة قادة الاحتلال على جرائمهم التي لا تتوقف بحقّ أبناء شعبنا.