غَضَبٌ عام يجتاح المستوطنين الصهاينة الذي بدؤوا يدركون حجم المآزق التي يواجهون في المستوطنات اليهودية التي تتكاثر كالفطر على الأرض الوطنية في الضفة المحتلة. ويظهر جلياً اليوم حجم التعاون الأمني الذي كانت تقدمه سلطة التخابر التي يديرها عباس في وَكْرِهِ في مقاطعة رام الله المحتلة التي بدأ عقدها بالتناثر وقد دب الهزال في أوصالها أمام ما يَسِمُه الصهاينة بالروتين اليومي حين يعيشون رُعب العمليات الفدائية لرجال المقاومة التي تعصف بالمستوطنات، وكذلك التصدي المنظم لشعبنا الفلسطيني لعربدات قطعان المستوطنين وهجماتهم على مُدن وقرى ومخيمات الضفة الصامدة.
تصريحات الإدانة لعديد السياسيين وقادة المستوطنين تبدأ بالانتشار كالنار في الهشيم يصفون فيها رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير الجيش بيني غانتس بأنهم متساهلون خانعون، ويرى رئيس الحزب الديني في الكنيست بتسلئیل سموتریش أن "هذه انتفاضة ثالثة، والحل الوحيد هو إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق وقوية تَدُك "الإرهاب" في عقر داره. وأضاف بأن لابيد وغانتس قد فشلوا في حماية المستوطنين، مطالباً إياهم بترك مناصبهم والعودة إلى بيوتهم!
من جهته ذکر رئیس مجلس مستوطنة غوش عتسيون شلومو نعيمان بأن الهجمات باتت من الأمور اليومية، والمستوى السياسي وكذلك المؤسسة الأمنية تخلت عن توفير الأمن للسـكان.
ويشير محللون صهاينة أن هناك تآكلاً خطراً بدأ يتغلغل عميقاً في بُنى المجتمع الاستيطاني في فلسطين المحتلة والذي سيترك آثاره في استقرار واستمرار المستوطنات في الضفة المحتلة في الوقت الذي اجتمع فيه قادة المستوطنات الاثنين الماضي وقرروا التظاهر غداً الخميس.
إن أشد ما يخشاه المستوطن الصهيوني اليوم هو ما قد يواجهه من عمليات بدأت تقض مضاجعهم في كل المستوطنات وعلى نحو خاص تلك المقامة في الضفة الغربية أو على المستوطنين الذين يُعربدون ويعتدون على القرى والمدن المحتلة، وقد ترك ذلك تأثيره العميق في حركة المستوطنين وتحديداً ليلاً، وتؤكد استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً بأن الأغلبية منهم يفكر بشكل دائم في الهجرة خارج البلاد، في الوقت الذي ذكرت فيه وسائل إعلام عبرية أن الشرطة عززت وجودها داخل المستوطنات وحولها بل وتعزيز انتشار عناصرها ودورياتها في المدن والبلدات في فلسطين المحتلة عام 1948.
وأوضحت هيئة البث العبرية "كان 11" أن هذا العمل المكثف "يأتي في سياق المخاوف من اتساع رقعة العمليات العسكرية في شمال الضفة المحتلة وخشية أن تمتد إلى داخل ما يُسمونه بالخط الأخضر.
كما أن قادة الأجهزة الأمنية ووسائل إعلام العدو تحاول جاهدة طمأنة المستوطن الصهيوني من خلال برامج دعائية منتظمة ومقابلات مع القيادات السياسية والعسكرية التي تشير إلى قدرات الكيان الاستيطاني دون جدوى، في الوقت الذي يرى فيه تجمع المستوطنين أن عمليات إطلاق النار وعمليات الطعن والدهس مستمرة، بل ویزداد عدد القتلى والجرحی في صفوف جیش الاحتلال وهم المعنيون بحماية "سكان البلاد!".
في الوقت الذي أكدت فيه بيانات جهاز الأمن العام "الشاباك" أن هناك زيادة لافتة في العمليات الهجومية القتالية الفلسطينية خلال شهر أيلول الفائت، والتي كانت أضعاف الأشهر الماضية، والتي بلغت كما نشر موقع "واي نت" العبري بأن الإحصائية هي 212 عملية عسكرية نُفذت في معظم مناطق الضفة الفلسطينية المحتلة.
ويمكن من خلال زمن الخوف ورؤية مستقبل الكيان المُرعبة أن نفهم حجم الهجرة المعاكسة التي تجعل التجمع الاستيطاني في فلسطين "مُجتمعاً متحركاً "يعد 20% منه مُتغيرًا باستمرار، وهذه ظاهرة لا تتكرر على المستوى الكوني إلّا فيما یسمی بـــــ (إسرائيل).
كما أن للقتل المُمنهج الذي يمارسه الجيش النازي، آثاره في تصاعد العنصرية وكراهية الآخر التي تَتَمثل في السلوك العدواني ضد الشعب الفلسطيني الذي ينتفض ويقاتل دفاعاً عن وجوده المادي على أرضه الوطنية.
"المجتمع الصهيوني النموذجي" مُستعد للتصويت لحكومة دكتاتورية حتى ولو خالفها الرأي ما دامت تحمل برنامجاً فاشیاً یسعی نحو سلب الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ويعمل على قتله وفرض سياسة الترانسفير على من بقي حیاً، وفي استطلاع للرأي عبر 71.8% من سكان الكيان عن أن أكثر ما يخشون هو التزايد السكاني المتسارع الذي قد يغير الطابع اليهودي الديموغرافي للبلاد.
وتؤكد الإحصائيات أن هناك أكثر من مليون ونصف یهودي يحملون جوازات المستوطنة يعيشون بشكل دائم في الخارج، وأن هذا العدد يزداد بشكل مقلق لقادة الكيان وحلفائهم.
كلما شكلت معارك المقاومة عبر جولات المواجهة في لبنان التي تَكَلَّلت بالانتصار بدءاً من اندحار جیش العدو مهزوماً عامي 2000، و2006، وتلك المعارك التي انتصرت فيها المقاومة بدءاً من تفكيك المستوطنات عام 2005 من قطاع غزة، مروراً بكل المعارك المجيدة منذ عام 2006 وحتى "سيف القدس" و"وحدة الساحات" عام 2022، فقد بدأ العد التنازلي الفعلي لدى المستوطن الصهيوني، وأصبحت
(تل أبيب) تعيش توترات داخلیة غیر مسبوقة، حول طبيعة هذا المجتمع المتناقض، وقد أكد ذلك يوفال دیسکین رئیس جهاز "الشاباك" الأسبق حين قال: إن "التفكك الداخلي" يتزايد، والدولة لن تبقى حتى الجيل المقبل، نتيجة أسباب ومؤثرات داخلية، والانقسام العميق بين السكان يزداد خطورة، کما أن انعدام الثقة بأنظمة الحُكم آخذ في الازدياد، والفساد ينتشر والتضامن الاجتماعي بدأ يتلاشى".
هرب الأدمغة يصل إلى 26%، وعدد المغادرين يتصاعد ليصبح أضعاف القادمين الجدد الذين يُصدمون حين تطأ أقدامهم الوطن المحتل ثم يغادرون دون رجعة، بل وأشار "معهد تراث مناحيم بيغن" في القدس المحتلة في تقرير له أن بين 50% -70% يحاولون الحصول على جواز أجنبي، بل ونشرت وثيقة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) "إلى أن أي مواجهة عسكرية محتدمة مقبلة مع "تل أبيب" ستجعل أغلبية المستوطنين يغادرونها وينسلخون عنها".
أما الجنرال احتياط إسحق بريك فقد ذکر الأسبوع الماضي، "أن جيش الاحتلال عاجز عن مواجهة حرب متعددة الجبهات".
ومن جهته أكد البروفيسور مارتين فان كارفيلد أستاذ العلوم العسكرية في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، وهو العنصري الذي ينادي بطرد كل الشعب الفلسطيني من وطنه أن "الجيش يتدهور من الرأس حتى القاع، بين إدمان وبيع السلاح لفصائل المقاومة وتجارة المخدرات، وتصاعد منسوب الهجرة، إن الصراع مع الشعب الفلسطيني نتيجته الخسران المُبين وبنهاية دولة (إسرائيل) في نهاية المطاف".
هذا ما تَعِدُ به المقاومة التي ستكون عند حسن توقعات قادة العدو بترسيم نهاية هذا الكيان الزائد.