ما زالت الحلبة السياسية والأمنية الإسرائيلية منشغلة بتبعات إنجاز مسودة الاتفاق مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية، وتبعاته على عملية استخراج الغاز من حقل كاريش محل النزاع معه، مع العلم أنه منذ اكتشاف احتياطيات الغاز الكبيرة، برزت حاجة إسرائيلية ماسة لتحديد الحدود البحرية لدولة الاحتلال، ورغم ما حققته من إنجازات على الأرض من هذا الاتفاق، قيد التوقيع، لكن الرأي العام السائد لديها أنها استسلمت بالكامل لجميع المطالب اللبنانية، تحت تهديد حزب الله بالحرب.
بغض النظر عن المؤيد والمعارض في دولة الاحتلال بشأن مسودة الاتفاق مع لبنان، لكن الأمر تجاوز الأبعاد التجارية والاقتصادية إلى الأمنية لما هو أبعد من ذلك، حين هدد حزب الله، وأطلق طائراته المسيرة باتجاه حقل كاريش الإسرائيلي، مؤكدا أن بدء استخراج الغاز منه دون التوصل لاتفاق مع لبنان، سيدفعه إلى مهاجمته.
أياً كانت جدية تهديد الحزب، لكن من الواضح أن أحد اعتبارات الاحتلال في إنجاز الاتفاق، بجانب المصالح الحزبية الانتخابية الداخلية هو تلافي الدخول في توتر عسكري معه، رغم أنه يرسل رسائل إسرائيلية سلبية مفادها أن دولة الاحتلال قابلة للابتزاز، والاستجابة له، ما دفع أوساط المعارضة للزعم أن الحكومة الانتقالية الحالية استجابت لجميع المطالب اللبنانية، رغم أن التفاصيل الدقيقة للاتفاق ما زالت قيد الكتمان، ولم تخرج سوى تسريبات لا تعطي الصورة الكاملة للاتفاق المزمع.
مع أن المعارضة الإسرائيلية الواسعة لهذا الاتفاق دفعتها للمطالبة بإجراء استفتاء عام، كما يدعي بعض فقهاء القانون، بزعم أن الاتفاق تم بعيدًا عن أعين الجمهور الإسرائيلي، والإشارة إلى عدم مشروعية أن يتخذ رئيس حكومة انتقالي قرارا بشأن قضية مضى عليها أكثر من عقد من الزمن، ليس هذا فقط، بل وخلال فترة انتخابات ساخنة، ما يطرح علامات استفهام عن مدى قانونية التوصل إلى اتفاق وتسويات مع دولة مثل لبنان، ما زالت تصنف بأنها "معادية" للاحتلال.
رغم كل ما تقدم من اعتراضات إسرائيلية يمكن الاتفاق أو الاختلاف بشأنها، لكن أي اتفاق مع أي دولة عربية، سواء لترسيم الحدود، أو استخراج الغاز، أو أي سبب كان، يعد مصلحة إسرائيلية لأنه يعني بالدرجة الأولى الاعتراف بها، والتفاوض معها، والتعامل مع مواردها الطبيعية التي سرقتها من الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين، على أنها موارد إسرائيلية.
وبغض النظر عن المكاسب والخسائر الاقتصادية التي ستعود على الاحتلال، فإن الخطر الحقيقي الذي يراه معارضو الاتفاق مع لبنان أن انزلاق الحكومة بهذه المفاوضات قد يقدمها كدولة ضعيفة، تتوسل الهدوء، وتخشى المواجهات العسكرية، وفي هذه المنطقة فإن بلدا خائفا من الصراع، ويتراجع عن مطالبه بسبب تهديدات، لن يتجنب المواجهة فعلا، بل سيستقبلها فيما بعد.