نشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، كتابا جديدا يعرض تجربة الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، هو عبارة عن تسجيل ذاتي لمذكرات الشيخ محمد أبو طير من القدس المحتلة، والذي يؤرخ لما يزيد عن 40 عاما من التجربة في سجون الاحتلال، ويقدم فيه الشيخ أبو طير تجربته منذ أن كان عضوا في حركة فتح مرورا بالجماعة الإسلامية، وانتهاء بحركة حماس.
ويتكون الكتاب من ستمائة صفحة، تشتمل على 12 فصلا وثلاثة ملاحق، إضافة إلى تزمين تاريخي للمحطات الفاصلة من سيرة الشيخ المقدسي محمد أبو طير في الكتاب، الذي حمل عنوان “سيدي عمر: ذكريات الشيخ محمد أبو طير”. وفي الصفحات الداخلية يتوسع العنوان ليضاف إليه “ذكريات الشيخ محمد أبو طير في المقاومة و33 عاما من الاعتقال”.
كتاب مرجعي
وحرر هذا الكتاب الباحث بلال محمد شلش، الذي بدأ تحريره مع الشيخ أبو طير أواسط سنة 2011، وكانت عملية تحرير الكتاب تتوقف بسبب ظروف اعتقال الشيخ، واعتمد عمله على ترتيب إفادات الشيخ وتدويناته وتقسيمها وتنظيمها في فصول، دون تدخل في لغة النص أو فرض رؤية المحرر عليه، كما قدّم خدمات تخريج النص وإحالة النصوص إلى مصادرها ومراجعها، وشرح المصطلحات الغامضة، وترجمة الأعلام الواردة في النص. ثم وضع المحرر ثلاثة ملاحق توثيقية تثري مادة الكتاب وموضوعه، ثم وضع فهرسا مختلطا للأعلام والأماكن.
قدم للسيرة الشيخ صالح العاروري عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وأحد مؤسسي العمل العسكري في الضفة الغربية، وأحد رفاق الشيخ أبو طير في الأسر، الذي أقرّ بدوره الحساس في مجالات العمل الأمني والعسكري والإداري والتنظيمي والسياسي والدعوي، وأن له تجربته الثرية وأسبقيته في محطات عديدة.
وتؤرخ السيرة لمجتمع الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولتجارب الإضراب والتحولات في حركة النشاط الثوري الفلسطيني، كما تؤرخ أيضا لنشأة الجماعة الإسلامية في السجون وهي من الشهادات النادرة في هذا المجال، ولنشأة العمل العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية أوائل تسعينيات القرن الماضي.
ولا تكتفي السيرة بتاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية بل تتعداها إلى الحركة الأسيرة العربية في سجون الاحتلال، حيث جمعتهم جميعا القضية الفلسطينية التي آمنوا بها وقاتلوا من أجلها.
يمتزج الشخصي بالعام في هذه السيرة، وهذا أمر مفهوم، فإن السيرة مرويَّة بقلم صاحبها المفعم بالمشاعر والتجارب، لكن العام أكثر ظهورا لديه ربما بسبب طول سنوات الاعتقال في مراحل الوعي الأساسية في حياة الشيخ، حيث لم يعش حياة أسرية طبيعية، إذ كان ارتباطه بالسجن والاعتقال أكثر من ارتباطه بالعائلة والدار.
لغة أدبية وثراء معرفي
لغة الشيخ في مذكراته لغة متينة تنمّ عن ثقافة لغوية وثراء معرفي، وكان ذلك لتأثره بأحد أساتذته في الثانوية العامة، وقد أظهر الشيخ مهارته اللغوية في ذكر بعض قصائد كتبها كما في قصيدتيه عن إحراق المسجد الأقصى ص 43–44، وقصيدته في رثاء شهيد مقدسي ص370. ولغته ذات أسلوبية سردية حِكائية فيها الكثير من خصائص الخطابة، التي تزداد فيها ألفاظ الإشارة وأسلوب الالتفات، وضرب المثل والاحتفاء بالبعد النفسي، واستحضار المخاطَبين. وترى ذلك بوضوح كلما تحدث عن القدس والمسجد الأقصى، كما في رواية قصة مشاهدته لحريق المسجد الأقصى أو وصف مشاعره عندما احتل باقي المدينة سنة 1967 كما في ص 51–52، ويظهر جانب الحكاية فيها بكثرة التفاصيل، وسرد المواقف، واكتظاظ الذاكرة بالأشخاص والمواضع.
عناوين الفصول عناوين أدبية فضفاضة تتحدث عن مرحلة تاريخية أكثر من كونها تتحدث عن قضية موضوعية، رغم أن المرحلة في بعض الفصول قد تكون هي القضية، ولذلك تجد أن مضامين بعض الفصول يمكن أن تجعلها -موضوعيا- ضمن فصل آخر يحمل عنوانا يختص بموضوع الفصل الأول.
سيدي عمر وأمن العمل
وكثرة الشخوص والأبطال الثانويين في مذكرات الشيخ ليست دليلا على ترف الجغرافية المكانية عنده. فهذا التفصيل إنما بسبب صغر جغرافية السجن الذي قضى فيه الشيخ معظم حياته، حيث إن السجن مجتمع صغير ضيق، يعرف فيه ساكنوه تفاصيل الرفيق المسجون معهم ويتداولون أخبار بعضهم بتفاصيل دقيقة، بسبب فقر الموضوعات الأخرى ومحدودية التفاصيل عنها.
وقد حرص المحرر على ترجمة كثير من الأشخاص واعترف بعجزه عن التعريف بكثيرين، وأرجع ذلك إلى ضعف التدوين الوثائقي، علما أن كثيرا من الشخصيات المشار إليها لا تزال على قيد الحياة، لكنها مهملة غير مذكورة، ربما بسبب عدم وجود أدوار فصائلية لها، أو اختيارها للبعد التام عن الأضواء.
ويحمل عنوان السيرة جانبا مهما من أصول العمل الأمني في الثورة الفلسطينية، وهو إخفاء الشخصية بأقنعة ورموز وكنى. وكان الشيخ أبو طير قد اختار شخصية تاريخية مهمة في فواتح نشاطه العسكري مع حركة فتح أوائل السبعينيات باختياره اسم القائد الفاتح الأندلسي “طارق بن زياد” لقبا له، ثم اختياره شخصية الثائر الليبي الشيخ “عمر المختار” رمزا سريا له مع حركة حماس وجناحها العسكري أوائل التسعينيات، والذي تطور نتيجة الاندماج وكِبر الشيخ وقِدم تجربته مقارنة برفاقه الشباب إلى “سِيدي عمر” تقديرا له واحتراما وتحببا أيضا.
كما حملت مذكرات الشيخ وصايا وإفادات مهمة في التجربة الأمنية، لا سيما في أقبية التحقيق، حيث تشتد الحاجة إلى تأهيل الفدائيين استعدادا للحظة القبض عليهم ومحاولات استنطاقهم واستجوابهم، وكيف يستفيد السجان من الخلافات التنظيمية الحادة والفصائلية في تجنيد العملاء داخل السجن، ثم ينتقد الشيخ الهوس الأمني لدى الفصائل خوفا على نفسها من الاختراق حتى وقعت في أخطاء فادحة وإساءات بالغة وانتهاكات فاضحة نتيجة هذا الهوس المفرِط، ويتحدث الشيخ عن أخطاء فردية في نقل المعلومات داخل السجون، وضعف التحوطات الأمنية لدى العناصر الحساسة، بما يتسبب بخسائر كبيرة للتنظيم.
وتوضح السيرة مكانة القدس في مسيرة العمل العسكري، حيث قرر فيها أن القدس شكلت عظم الرقبة في جميع العمليات العسكرية الأولى، وأنها كالمرآة المقعرة التي ينعكس كل ما فيها على العالم كله.
شهادات في الرجال
وفي سيرة الشيخ تفاصيل قديمة مهمة عن شخصيات سياسية وأمنية من كل الفصائل لا تزال مؤثرة في حاضرنا، ومن شأنها أن تعطينا تفسيرات أو اتجاهات لتأويل مواقفهم وسلوكهم السياسي الراهن، وتفيض السيرة بالحديث عن شباب كتائب القسام وحماستهم وقوة شكيمتهم في السجون وإصرارهم على العودة إلى مضمار القتال بكل السبل الممكنة، ويتوسع الشيخ في الحديث عن بعض الشهداء الذين عايشهم عن قرب كالشهيد محيي الدين الشريف والأخوين عماد وعادل عوض الله. ويوثّق لدور أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في استهدافهم وتشويه سمعتهم. ورغم أنه يفوته أحيانا التعريف ببعض الأشخاص المهمين في محطات كان لهم فيها الدور الأكبر، فإنه ما يلبث أن يعود بعد فصول عدة للتنويه بهم كما حصل مع الشيخ حسن القيق.
ويظهر في السيرة عمق الجانب الاجتماعي في مذكراته، التي حرص فيها على تفصيل خلفيات المكان والزمان وشبكة المجتمع وثقافة العائلة والقرية والسجن والمعسكر والحرف والمهن ومؤسسات التعليم… وأثر ذلك على الشخوص وتفسيره لسلوكهم ونفسياتهم، وأثر المناطقيات والجهويات على نفوس بعض المنظمات الفلسطينية داخل السجون، لا سيما تلك التي لا تحمل أيديولوجية متينة. ثم استعرض بإيجاز تأثير الجهويات على هذه التنظيمات المتماسكة في مرحلة ما. ومن اللافت أن الشيخ لا يترك تفصيل ردود فعل المحققين الصهاينة على صمود بعض الأسرى أو انهيارهم في أثناء التحقيق بعد الانتهاء منه.
ثم يوثق بألم معاناة أهالي المعتقلين والأسرى لترتيب زيارتهم حتى إنجازها، ثم دورهم في نقل المعلومات والتعليمات، وصبرهم على أذى المحتل وإذلاله لهم. كما توثق السيرة لميلاد الفصل الاجتماعي بين الفصائل على قاعدة الموقف من أوسلو أو السلام، حيث كانت بعض فصائل منظمة التحرير حريصة على الفصل بينها وبين فصائل المقاومة في محاولة منها لتحسين ظروف اعتقالها. وأشار الشيخ مرارا إلى الصورة النمطية العامة لكل سجن، حيث كانت تتنافس مجتمعات السجون فيما بينها لتثبيت أهليتها لقيادة هذا المجتمع، ويستعرض إخفاقات هذه الصورة ونجاحاتها في مراحل مختلفة.
وقد كان لافتا احتفاء مجتمع الأسرى المغلق بثقافة الرؤى والمنامات ونمو تأويلها لديهم، حيث كانت في كثير من الأحيان مصدر التنبؤات الوحيد، وربما جعلها بعضهم مصدرا من مصادر المعلومات، ويشرح كيف ترتفع مكانة صاحب الرؤيا ومؤولها في هذا المجتمع.
ومن المواضع المهمة في هذه السيرة توثيق حياة المجموعات الشيعية اللبنانية، من حزب الله وحركة أمل داخل سجون الاحتلال في عباداتهم وعلاقاتهم، وموقف الفصائل منهم، وشدة التزامهم الأمني.
في سيرة الشيخ الكثير من ملاحظاته النقدية السريعة لمسيرة الحركة الإسلامية الفلسطينية على صعيد المنهاج والسلوك التنظيمي والتمكن الفكري، إضافة إلى انتقادات تاريخية مهمة للمناخ الإعلامي والسياسي الفلسطيني والعربي المتصل بالوضع الفلسطيني.
إضافة علمية نوعية
وسيرة الشيخ تعجّ بتفاصيل الرواية الشفوية عن أحداث ووقائع ليس هناك تفصيلات أكاديمية وافية عنها، وسيكون في إضافتها إثراء للبحث التاريخي الفلسطيني كما في سرده لبعض الأحداث قبل سقوط مدينة القدس بيد الاحتلال سنة 1967.
وتظهر ثقافة الشيخ في استدعاء التاريخ والسيرة النبوية في تشبيه الأحداث ببعضها وعلامات اقترانها وتنزيلها على الوقائع اليومية التي شهدها وبيان المفارقات في التعامل معها. وكان شديد النقد لسلوك نظام عبد الناصر في معظم محطات الصراع في فلسطين، وسلوك حزب البعث في سوريا.
وتظهر في السيرة مواقف الحركة الإسلامية المبكرة في مرحلة صراع الهوية في تفصيل الموقف من الأفكار الشيوعية وما يمثلها أو يقترب منها من تيارات وأحزاب شيوعية وماركسية ولينينية في فلسطين، حيث يعدّ الشيخ أبو طير أفكارها هدامة لقيم الإسلام وأنه من الواجب تحييدها، واستعرض الشيخ تجربته في دحض أفكارها وشبهاتها من خلال التثقيف والقراءة لا سيما لكتب محمد قطب.
وتضعنا السيرة في تفاصيل الحياة اليومية للأسير في طعامه وشرابه وملابسه وبيئته وظروفه ومشاعره الحبيسة معه وتعاملاته مع السجان ومع رفاق الأسر، وتنقلاته والتحقيقات معه، وتجربته في مقاومة هذا الواقع نفسيا واجتماعيا وأمنيا وسلوكيا، ومواسم التصعيد العنيف معه ورصد ردود فعله. وتحدث عن مجتمع الأسرى المختلط فكريا بين اليسار والثوريين والطائفيين والوطنيين والملحدين والإسلاميين… ووقوع الأسرى في حصار نفسي ضيق يضاف إلى أسرهم وسجنهم، ويستعرض الشيخ التجربة الفكرية القاسية مع رفقاء السجن وحجم الضغط النفسي الذي تعرض له الإسلاميون في السبعينيات من رفاق النضال، وكيف تحولت السجون في السبعينيات إلى أحد مراكز معاداة الدين وتربية الأفكار اليسارية والإلحادية، من خلال العنف وحرب الإشاعات وحرق الكتب الدينية والاستفزاز اللفظي والمعنوي والشحن التحريضي… تحدث عنها الشيخ باستفاضة.
ووثّق بألم التجارب التي خاضتها حماس وحدها دون مساندة من التنظيمات الأخرى في الأسر في مرحلة تمدد العمل العسكري لحماس أواخر التسعينيات، تجنبا للإجراءات العنيفة للسجانين، كما وثّق قائمة المطالب التي كان يسعى الأسرى لتحصيلها من المحتل بكل الطرق المتاحة له، وإدارة التفاوض مع المحتل بشأنها، وحجم الضغوط في محاكم الاحتلال، والتفنن في قتل الأيام وتمطيط الأزمنة واستغلال الأسرى للضغط السياسي على المقاومة خارجه، لا سيما في ملف الأسير الصهيوني جلعاد شاليط، بحرمانهم من حقوق أساسية ابتدائية كالطعام والشراب والإذلال الممنهج وسحب أدوات الطبخ والأدوات الكهربائية والتقييد الطويل والتفتيشات المفاجئة.
ويتحدث الشيخ بإيجاز، وفي مواضع متفرقة غير متصلة، عن العمل التنظيمي في السجون وآليات الانتخابات واللجان القيادية والأقسام الداخلية في كل مكتب قيادي وولاية هذه المكاتب. ويتحدث بفخر عن تشجيع قيادة السجون لمحاولات الفرار من السجن التي قام بها عدد من ذوي الأحكام الطويلة والمؤبدات، ويفصّل في دور هذه الانتخابات في علاج بعض الظواهر السالبة كالجهوية والانقسام السياسي، أو تغيير آليات مواجهة واقع السجن، ومواجهة إجراءات المحتل في العزل والتفتيش والزيارة والطعام والرؤية والصلاة والهاتف.
الجماعة الإسلامية
يعدّ الحديث عن نشأة الجماعة الإسلامية في سجن الرملة وسجن عسقلان وسجن الخليل من الوثائق التدوينية المهمة في هذه السيرة، حيث يعزو بداياتها إلى طبيعة الاستفزاز الذي تعرض له الشباب المتدين الأسير من رفاقهم في الأسر، وشدة تأثير الأفكار الشيوعية ومدارسها على الحركة الوطنية الفلسطينية، وسلوك التحامل التحريضي على التدين والدين، وكيف قابلها الشباب المتدين بالقراءة والتثقيف الذاتي من خلال كتب سيد قطب وأخيه محمد، وكتب عباس العقاد، وحسن البنا، ويوسف القرضاوي، ومحمد سعيد رمضان البوطي، ومنير شفيق. ويقرر الشيخ أنه ورفاقه لم يكونوا في وارد تأسيس جماعة إسلامية كالتي أسسها جبر عمار في سجن عسقلان، بل كان هدفهم هو الانحياز إلى التدين وتعلّم أحكام الدين وتكوين بيئة مستقرة نفسيا للمتدينين، ولكن السلوك المقابل كان حادا جدا دفع هؤلاء إلى تكوين إطار تنظيمي يجمعهم.
وقدّم الشيخ تعريفا بمرحلة تأسيس الجماعة الإسلامية في السجون ورموزها وكيف عملت الفصائل الفلسطينية المقابلة على ضربها في مهدها بالقوة والعنف، وكيف استطاعت مواجهة ذلك ثم انفتاح الجماعة على المسجونين الجنائيين الفلسطينيين وإعادة تربيتهم وإعدادهم نظرا لإهمال القوى الفلسطينية لهم، ونضالهم من أجل تخصيص عنابر خاصة بهم، وتوفير مكتبة دينية، وتخصيص مكان لصلاة الجمعة وإقرار الخطبة رغم الرفض الفصائلي لها، وفرض الأذان، وإطلاق اللحية التي كانت ممنوعة آنذاك بوصفها علامة على الهوية المتدينة.
ثم قدّم تعريفا بنشأة الجماعة الإسلامية في سجن عسقلان وأهم رموزها، وكيف تلاقت الجماعتان وتوحدتا على أفكار واحدة في أثناء حركة التنقلات الدورية بين السجون.
ثم يتناول الشيخ مرحلة انتقال كثير من شباب الجماعة الإسلامية إلى مدرسة الإخوان المسلمين التي تأثروا بها فكريا، أو مدرسة الجهاد الإسلامي التي تأثرت بأفكار الخميني في إيران. وكان كثير من شباب الجماعة من أفراد قوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني أو شباب الدوريات من خارج فلسطين.
حرصت السيرة على إظهار السلوك الإيماني لأبناء الجماعة الإسلامية والحركة الإسلامية في سجون الاحتلال، وكيف أسهم في تعميق الوعي الوطني وشدة الالتزام بالقضية، وجعلها في مرتبة العقد الإيماني.
حماس وتجربتها
وفي السيرة توثيق يسجل لأول مرة عن كيفية إجراء عملية التبادل والتفاوض على إطلاق الأسرى بين الجبهة الشعبية-القيادة العامة والاحتلال الإسرائيلي سنة 1985، ولكن من داخل السجون حيث أدار الشيخ أبو طير عملية فرز الأسماء ومعاييرها والمشكلات التي صاحبت عملية الفرز والمراوغات الإسرائيلية طيلة عملية التفاوض حتى إنجاز التبادل، وهناك توثيق آخر لا يقل أهمية عن دور السجون في المشاركة في مفاوضات ما سمي إعلاميا بصفقة وفاء الأحرار التي جرى فيها تبادل نحو ألف أسير فلسطيني بالجندي الأسير جلعاد شاليط.
وتشتمل السيرة على شهادات دقيقة حصل عليها من الشيخ أحمد ياسين داخل السجن حول سبب إصابته بالشلل، وعن اغتيال الدكتور إسماعيل الخطيب، وعن قصة إنشاء الجامعة الإسلامية بغزة رغم قرار ياسر عرفات بمنع ذلك بالقوة.
وتحكي السيرة موجزات ومقتضبات عن انطلاقة حماس سنة 1987، ودور الضفة فيها وكيف كان يجري التنسيق بين الضفة وقطاع غزة ومن كان يتولى التنسيق، ثم نشأة العمل العسكري لحماس في الضفة الغربية وأهم رموزه، وكيف تجاوزت التردد التنظيمي الداخلي باستدعاء دعم قيادة حماس في الخارج، وكيف عانت حماس من أجل تثبيت نفوذها وحضورها الدعوي في مدن الضفة الغربية وقراها، وكيف استطاعت الصمود أمام قرارات حركة فتح بتصفيتها وعدم السماح لها بالنمو والتوسع في تلك المناطق. ثم يبسط الرواية في سياسات الاحتلال لمواجهة نشاط حركة حماس وتوجيه الضربات المتتالية لها في أوائل التسعينيات، لا سيما من حيث سياسة الاعتقال والتعذيب والإبعاد.
وفي تجربته في أثناء خوض المعركة الانتخابية سنة 2006 التي أسفرت عن فوز كبير لقائمة التغيير والإصلاح القريبة من حماس، والتي كان فيها الثاني على القائمة الرئيسية التي تصدرها إسماعيل هنية، يستعرض الشيخ سياسة منافسيهم من حركة فتح في التعامل معهم، ووثّق للكثير من التجاوزات والاعتداءات من طرفهم، ثم رصد تجاوب الجماهير معهم لا سيما من المسيحيين الفلسطينيين واللاجئين. ثم تعرض لموقف حزب التحرير من الانتخابات وكيف أسهم الحزب في تنفيس الزخم الشعبي بفتاواه التي استهدفت حماس أكثر من غيرها.
ثم يعرض الإجراءات التي وقّعها محمود عباس وسياسة حركة فتح لحرمان حماس من مكتسبات انتصارها الانتخابي، وكيف عمل الاحتلال على تنفيس هذا الحضور السياسي الجديد لحماس، باتخاذ إجراءات قاسية بحق النواب، ولعل أخطرها كان في سحب الهويات المقدسية من نواب القدس.
عرض شخصي
وفي السيرة عرض شخصي للكثير من المواقف السياسية التي يعتقدها الشيخ أبو طير مثل الموقف من اتفاقية أوسلو التي عدّها أخطر مشروع صهيوني بأيد فلسطينية، حيث ضربت المشروع الوطني الفلسطيني، وفجرته من داخله، وجعلت أدوات السلطة كلها لخدمة الاحتلال وأمنه.
وتعرّض للموقف من الانقسام السياسي الفلسطيني الذي عدّه مرهقا للشعب الفلسطيني بسبب التزام السلطة بأمن الاحتلال ومصالحه على حساب مصالح الشعب الفلسطيني، والموقف من الحسم العسكري في قطاع غزة 2007، حيث عدّه السبيل الوحيد لمواجه بطش الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومشروعها الصهيوني لضرب المقاومة وتصفيتها، ويدافع الشيخ أبو طير بقوة عن مشروع المقاومة وجدواه وأنه السبيل الوحيد المتاح لعودة الحقوق وتحرير الأسرى.
وليس كل ما في السيرة توثيق عن معاينة، فكثيرا ما تجد موضوعات طويلة تتحدث عن وقائع حدثت خارج السجن تحدث عنها بما سمعه من وسائل الإعلام أو إخوانه بعد خروجه من السجن، أو عند لقائه ببعض من يتصل بهذا الحدث من الأسرى المرافقين له، وكثيرا ما تجد هذا العرض مصحوبا باستعراض للرأي الشخصي حول تلك الأحداث.