فلسطين أون لاين

العنف يأتي بخطأ

لم يكن أي من مشجعي فريقي "أريما بريسبايا" و"سورابايا"، الإندونيسيين يُفكر في أن يخرج من ملعب "كانجوروهان" في مدينة "مالانج" الإندونيسية ميتًا، أو أن يعود إلى بيته مُصابًا، لأن الجماهير تذهب إلى الملاعب للمتعة والتشجيع.

ولكن وقوع خطأ من أي عنصر من عناصر المباراة تسبب في وقوع أعمال شغب عقب انتهاء مباراة الفريقين، بسبب اقتحام مشجعيهما لأرض الملعب، ما أدى إلى سقوط 125 قتيلًا إضافة لعشرات المصابين، وفقًا لما أعلنته مصادر رسمية.

وبدأت أعمال الشغب عندما اقتحم نحو 3 آلاف من مشجعي فريق "أريما بريسبايا" الملعب بعد خسارته أمام "سورابايا" بنتيجة (2-3) وبدؤوا في مهاجمة اللاعبين، ما أدى إلى وقوع اشتباكات مع قوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع.

وأعلن نائب حاكم جاوة الشرقية، إميل دارداك، في تصريحات للصحفيين ارتفاع حصيلة القتلى من جراء الاشتباكات العنيفة بين المشجعين والشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع عقب المباراة.

وعلى الرغم من أننا لا نعلم كل التفاصيل التي تسببت في نزول المشجعين لأرض الملعب، فإن ما حدث يُعد أكبر كارثة في الملاعب في العالم منذ بدء ممارسة كرة القدم في نهاية القرن الثامن عشر.

ولا أعتقد أن المنافسة بين فريقين أو أكثر في أي لعبة من الألعاب الرياضية في أي دولة من دول العالم تصل إلى مرحلة تُزهق فيها الأرواح بهذا العدد الكبير، لولا حدوث أخطاء متسلسلة من الجماهير والمُنظمين ورجال الشرطة.

إن ما حدث في إندونيسيا يجعلنا نقف للتفكير جيدًا في مستقبل كرة القدم الفلسطينية التي عاشت منذ يومين على صفيح ساخن بسبب ما حدث في مباراة خدمات رفح واتحاد بيت حانون، إذ إن شرارة العنف يتسبب بها فرد واحد وتتكاثر معه شرارات أخرى تؤدي إلى نشوب حريق هائل.

صحيح أن ما حدث في مباراة خدمات رفح واتحاد بيت حانون لا يرقى على الإطلاق لما حدث في مباراة إندونيسيا، ولكن لا يدري أحد إلى أي حد ستصل فيه مشكلة فيما لو تفاقمت ولم تجد من يُحاصرها في أثناء المباراة وبعدها، ومن ثم علينا ألا نستهين بأي حدث صغير، فمن شأنه أن يتصاعد إلى أن يصل إلى مرحلة خطرة.

صحيح أننا في غزة ما زلنا نلعب وفق نظام الهواة، ولكن قوة المنافسة بين مجموعة من الفرق على بطولة الدوري والكأس وبقية البطولات، وهذا بحد ذاته يجعل من إمكانية حدوث أعمال شغب واردة في كل مباراة بين الفرق المتنافسة.

ولكون الفرق المتنافسة على لقب الدوري هي فرق جماهيرية، فإن هذا التنافس يقفز عن كثير من الاعتبارات.

وفي ظل أن ملاعبنا ساقطة أمنيًا، ولا سيما أنها ملاعب غير مؤسسة على قواعد هندسية تضمن الدخول والخروج من الملاعب بأمان وفق أي خطة أمنية، إلى جانب أن إمكانية اقتحام الجماهير للملاعب أمر ليس بالصعب، فإن حدوث مكروه في أي مباراة وارد وبقوة.

كما أن ثقافة شعبنا المبنية على المواجهة مع الاحتلال، فإن ثقافة العنف موجودة بين صفوف جماهيرنا، وعليه فإن فرد أو مجموعة من أفراد الجماهير بإمكانها أن تقلب الأمور رأسًا على عقب في أي لحظة.

ويبدو أننا بحاجة إلى عملية حزم في أداء المنظومتين الكروية والأمنية للتعامل مع مُثيري الشغب سواء كانوا من صفوف الجماهير أو من صفوف اللاعبين والمدربين، فجميعهم يُشكلون شرارة لأي حدث خطير لا سمح الله.

المسؤولية لا تقع على المنظومة والشرطة فقط، فإن الانضباط يبدأ من المنازل، إذ تقع على كل أب وأم مسؤولية توجيه أولادهم للابتعاد عن العنف والشغب، وهذا لا يعفي المدرسين في المدارس والوعاظ في المساجد أن يؤدوا دورًا في ترسيخ ثقافة قبول الآخر وتقبل الخسارة والسير للفوز بطرق مشروعة لا بالعنف والشغب.

وأخيرًا وليس بآخر، فإنه في ظلم عدم وجود قوة خاصة في جهاز الشرطة مُدربة ومُخصصة على حماية الملاعب، فإن حدوث خطأ في معالجة أي حدث أمني في الملاعب واردة، وهذا ما يدعونا إلى التوجه للشرطة إنشاء قوة خاصة بحامية الملاعب، وإيفاد ضُباط أكفاء للخارج للحصول على دورات في تأمين الملاعب.