مع تزايد تصعيد الوضع الأمني الصهيوني في الضفة، واستمرار تنفيذ العمليات التي اتخذت طابعاً مميزاً عن سابقاتها، إذ إنها في معظمها عمليات فدائية ينفذها جيل جديد يخالف النظرية الدايتونية، وجدت (إسرائيل) نفسها أمام معضلة لم تحسب لها حسابا، فلم تعد صور مئات الفلسطينيين الذين يهاجمون بحجارة وذخيرة حية قوات الاحتلال الإسرائيلي ترِد من جنين أو نابلس فقط، بل باتت هذه الصور تأتي في الأسابيع الأخيرة من كل مدينة، ومن كل قرية، وحتى من داخل مناطق "الخط الأخضر"، وهو ما زاد من مخاوف قادة الاحتلال، بحسب تحذيرات الأوساط الأمنية والسياسية والتقارير الإعلامية الصهيونية، بشأن احتمال تفجّر الأوضاع في الضفة الغربية، ونشوب انتفاضة جديدة، في هذه الأوقات العصيبة للاحتلال، ولا سيما مع انطلاق الحملة الانتخابية البرلمانية، وانعكاس الأوضاع عليها.
هذا الجيل المنتفض الآن هو الجيل الذي سماه الجنرال الأمريكي “كيث دايتون” الفلسطيني الجديد، وقد اطمأن الاحتلال واستمر في عربدته وتغوله على حقوق الشعب الفلسطيني حتى فاض الكيل ونفد صبره، وعاد الفلسطيني الجديد إلى أصله فدائيا يصنع بدمه مجد فلسطين والأمة دفاعا عن القدس والأقصى، وعموما ضد الحرب الصامتة التي تشنها (إسرائيل) على الفلسطينيين دون الإعلان عن هذه الحرب أمام كاميرات الصحافة العالمية، فهي حرب شاملة في الضفة والقطاع يشارك فيها الجيش والشرطة وقضاة المحاكم العسكرية و"حرس الحدود" وأعضاء (الكنيست) ووزراء وإعلاميون صهاينة، علاوة على الحرب الخاصة التي يشنها المستوطنون الذين يسمون أنفسهم “أمناء جبل الهيكل”، ومجرمو “فتية التلال” على الفلسطينيين.
هذا الجيل الفلسطيني الجديد الثائر قلب الصورة التقليدية التي تعوَّد عليها الاحتلال، الذي كان يعتقل المقاومين في مرابضهم بسهولة، ولكن اليوم تغير الأمر وأصبح هو من يفاجئ الاحتلال ويربك حساباته، فكما تقول "يديعوت أحرونوت": “إن عناصر المقاومة الذين تتصدى لهم قوات الاحتلال الإسرائيلية يختلفون عن أولئك الذين عرفناهم في السنوات الأخيرة، هم أكثر شجاعة، ويقاتلون ويرفضون الاستسلام بسهولة (...)، فهم من الطراز الجديد لعام 2023، ولا يحملون معهم انتماء تنظيميا واضحا. وتضيف الصحيفة أن الساحة باتت في الضفة القابلة للانفجار تُقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أكثر من إيران وحزب الله، خاصة في ظل عزم إيران على تسليح المقاومة في الضفة كما تم تسليح غزة، وتحول الضفة الواقعة تحت سيطرة الاحتلال إلى بؤرة للسلاح المقاوم كما في غزة”.
الصحيفة حمَّلت الاحتلال مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة المحتلة، وأوضحت فشل سياسة حكومات الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الساحة الفلسطينية منذ عام 2009، في حين يتزامن هذا الموقف مع قلق أمني إسرائيلي متزايد من ضعف السلطة الفلسطينية. هذه الانتقادات تطرَّق إليها تقرير "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي"، إذ قال إنّه "في حال انفلات عقد السلطة الفلسطينية في جبهة الضفة الغربية، سيؤدي ذلك إلى حالة استنزاف وتهديد ستجعل (إسرائيل) غير قادرة على مواجهة التهديدات الخارجية وخاصرتها الأمنية رخوة".
فرغم كل ما تقوم به أجهزة أمن السلطة من تعاون أمني على قدم وساق مع الاحتلال، وقد أشاد مرارا وتكرارا بأدائها، فإنه يطلب منها المزيد والمزيد، وهذا دليل على فشله أمام حالة الاستنزاف من جهة المقاومة التي أخذت بيدها زمام المبادرة للتخلص من الاحتلال وإسقاط التنسيق الأمني على غرار غزة، وبناء عليه أصبح حلم الاحتلال "ديلوكس" مع امتيازات اقتصادية هنا وهناك، تدفع الفلسطينيين للقبول بالأمر الواقع، يبدو الآن أضغاث أحلام.