فلسطين أون لاين

صراع ممتد وتحولات كبرى

يرى الرئيس الروسي بوتين "أن النصر سيكون لروسيا". قال ذلك بعد إعلانه ضم جمهوريتي: لوغانسك ودونيتسك ومقاطعتي زابوروجيا وخيرسون. وقال لسكان هذه المناطق: إن روسيا لا تفتح أبوابها فحسب للأراضي الجديدة، بل تفتح قلبها أيضا. أهلا بكم في وطنكم.

هذه الكلمات حاسمة، فالمناطق الأربعة باتت جزءًا من روسيا الحديثة، والسكان فيها يعيشون في وطنهم الأم. وروسيا لم تفرض على السكان قرارا، بل أعطتهم حق الاختيار، فاختاروا أن يعودوا للوطن الأم روسيا، وهذا أكبر تحول دراماتيكي في الصراع. إذ يتحول الصراع من قتال بين أوكرانيا وروسيا، إلى حالة لا تقوم على القتال في هذه المناطق، بل تقوم على قاعدة تقرير المصير، وهي قاعدة مقررة في القانون الدولي، وسكان المناطق الأربعة قرروا مصيرهم بإرادتهم. وعليه فلا احتلال ولا استعمار ولا قتال.

ومن اللافت للنظر ويدعم الرؤية الروسية أنه لا جيش روسي في هذه المناطق، وأن لسكان هذه المناطق جيشهم الذي يدافع عنهم ضد كييف. صحيح أن الجيش الروسي يدعم القوات الانفصالية عن أوكرانيا، ولكنه لا يحتل مناطقهم، كما الغرب وأمريكا يدعمون كييف.

ثم إن جدلية: (الحقيقة، والأصل)، (والاحتلال، وتقرير المصير)، وهو التحول الثاني الكبير، جدلية فكرية تعني أن الصراع في تلك البلاد هو صراع ممتد وطويل، ومسكون بالأيديولوجيا، وحسابات الجذور، إضافة إلى الأمن والربح والخسارة.

لن تجد الأطراف للصراع حلا سهلا، أو قاعدة يمكن الاتفاق عليها تفاوضيا. ولعل تصريح زيلنسكي رئيس أوكرانيا أنه لا يوجد مجال للتفاوض مع بوتين شخصيا، وننتظر من يأتي بعده، فيه دلالة على امتداد الصراع حول الأرض هل هي أوكرانية أم روسية؟ وكيف كانت في ظل الاتحاد السوفيتي؟ وكيف يجب أن تكون في ظل روسيا الحديثة؟ وإن طلب أوكرانيا الانضمام العاجل لحلف الناتو يعطي النتيجة نفسها. صراع ممتد، وجدل في الرؤية والأصل.

هل الانضمام يعيد المناطق الأربعة؟ لا. لا أظن ذلك. وإذا وافق الناتو على انضمام أوكرانيا (ثمة دول في الناتو تعترض) فهو يقبلها إذا ما قرر قبولها في ظل ضم روسيا للمناطق الأربعة، ولا يتقبلها على أن يقوم هو بإعادة المناطق الأربعة لأوكرانيا، فهذا ضرب من الخيال. وعليه تكون كلمة بوتين: النصر لنا، صحيحة في هذا المعني، وليست صحيحة على قواعد أخرى.