على الرغم من عدم تصدر الصراع مع الفلسطينيين أجندةَ الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة في انتخابات نوفمبر، فإن تزامن خطاب رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد في الأمم المتحدة، وحديثه عن تأييده "حل الدولتين" وإقامة الدولة الفلسطينية، أثارا من جديد السجال الإسرائيلي بشأن مستقبل الصراع، وآفاق حلّه، إن وجدت، أو الاكتفاء بإدارته.
صحيح أن من تبقى من معسكر اليسار الإسرائيلي وأنصار لابيد دعموا توجهه، لكن التيار الغالب في دولة الاحتلال أظهر معارضته الجارفة للتوجه الذي يحمله الأخير، رغم أن توقيت إعلانه لا يخلو البتة من تطلعات انتخابية داخلية، رغبة في استقطاب أصوات الناخبين من فلسطينيي 48، ومن تبقى من أنصار التسوية من الناخبين اليهود.
وعلى الرغم من أن الحملة الانتخابية الحالية، مثل الحملات الأربع التي سبقتها، تناولت قضية واحدة فقط وهي المفاضلة بين بنيامين نتنياهو وبقية المرشحين المعارضين له، فإن لابيد أحدث سجالا جديدا عندما قرر أن يدرج في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة بيانًا بشأن إنشاء كيان سياسي فلسطيني بجانب دولة الاحتلال، زاعما أن "الاتفاق مع الفلسطينيين هو الشيء الصحيح لأمن" (إسرائيل).
لعل خطاب لابيد، أياً كانت أغراضه الداخلية والخارجية، الذي تزامن مع الموجة الأخيرة من الهجمات الفدائية الفلسطينية، والإنذارات الكثيرة المتلاحقة أوصلت الإسرائيليين عموما، والجهات الأمنية والسياسية والعسكرية خصوصا إلى الاستنتاج الصحيح بأن عصر تجاهل القضية الفلسطينية قد انتهى، رغم أن جوقة ردود الفعل اليمينية الرافضة لحديث لابيد دفعتهم للقفز والصراخ لإدانة توجه لابيد، وقول ما كان متوقعًا قوله، في حين نسوا تمامًا أن زعيمهم بلا منازع نتنياهو قال أشياء مماثلة في الماضي في المقعد ذاته داخل مبنى الأمم المتحدة.
مع العلم أن جميع استطلاعات الرأي الانتخابية الإسرائيلية، أظهرت أن العامل الأكثر تأثيرًا في تصويت الناخب هو مسألة الأمن الشخصي، بغض النظر عن وجود مسار سياسي من عدمه، وكأن أهم سؤال في نظرهم: من سيمنحهم من المرشحين مزيدا من الأمن، أو على الأقل استعادة الأمن المفقود.
بكلمات بسيطة، دفع خطاب لابيد الأخير لأن يتساءل الإسرائيليون: كيف نحل النزاع الدموي طويل الأمد مع الفلسطينيين، بعد أن تبددت مباهاتهم الزائفة بأن الحكومات المتعاقبة منذ عقدين من الزمن تقريبا أزالت القضية الفلسطينية من جدول الأعمال الدولي، لكن أحداث الأيام القليلة الماضية وموجة العمليات الحالية أثبتت لهم مرة أخرى بأن القضية الفلسطينية ما زالت مدرجة على أجندة المجتمع الدولي؟