منذ أكثر من 15 عامًا، ترابط الفلسطينية منتهى إمارة من مدينة أم الفحم، داخل المسجد الأقصى المبارك، وتسعى للوجود فيه دائماً؛ إرضاءً لضميرها، وأداءً لواجبها إزاء دينها ووطنها.
تتهيأ منتهى كغيرها من المرابطين والمرابطات لأي سيناريو يرافق الإعلان عن أي اقتحامٍ قريب، وتبدأ في العمل على حشد الفلسطينيين في جميع أماكن وجودهم، وتأكيد ضرورة وقوفهم "جماعات" لصد الاقتحام المنتظر، والذود عن المكان المقدس من دنس المستوطنين والجنود المدججين بالأسلحة.
تقول لصحيفة "فلسطين": "لا يعقل أن يحشد الباطل أعوانه لهذا اليوم بهدف إغاظة المسلمين، ولا يفعل أصحاب الحق ذلك للدفاع عن حقهم. وجودنا المتواصل داخل المسجد خطوة من خطوات الردع، ولا يجب أن نستهين بها أبداً".
المرابطون والمرابطات، ومن بينهم منتهى، باتوا يدركون أن الاحتلال يتعمد اقتحام المسجد يوميًا، وهذا يجعلهم في حالة استنفارٍ دائمة، طوال أيام السنة وليس في فترة الأعياد (المزعومة) وحسب، "ووجودهم أكبر مانع لدخول المستوطنين، ورسالة للعالم أن المسجد الأقصى له أهله".
تنطلق السيدة إلى الرباط برفقة أقاربها وأصدقائها من منطلق عقائدي وديني، ويبقون على متابعة دقيقة لمواقع التواصل الاجتماعي، للوقوف على نوايا الاحتلال، ودعواته للاقتحامات بين الوقت والآخر، فيسبقون ذلك بالتوعية والحشد، وتكثيف شد الرحال في هذه الأوقات.
ورغم أنها مبعدة لمدة ستة أشهر، ولا تستطيع الدخول إلى المسجد الأقصى فإنها تذهب إليه، وتقف على أبوابه، لتثبت أنه ليس لأي مسلم عذرٌ كي يتأخر في الدفاع عنه، "ولو على أبوابه".
تقف في أقرب نقطة للمسجد الأقصى عند باب السلسلة، حيث دخول وخروج المستوطنين، وعبر المناكفات الكلامية تحاول إثبات أحقية الفلسطينيين بمسجدهم.
وتتابع: "أكثر ما يؤلم قلبي أن المصلين بداخله مقيدون، ولا يستطيعون أن يحركوا ساكنًا بفعل حماية قوات الاحتلال المدججة بالسلاح لمجموعات المستوطنين، فكل من يعترض اقتحامهم، يُعتقل ويُبعَد".
المسجد الأقصى والمرابطون فيه في خطرٍ عظيم، يعيشون تحت وطأة شبح الإبعاد، "والاحتلال يكتم على أنفاسهم، ويمنعهم من قول كلمة الحق. لقد أصبحنا نخاف من كلمة إبعاد، فنحن نعشق ترابه، ونحب الوجود فيه دائمًا".
تشعر إمارة بالقهر عندما يوقفها شبح الإبعاد أحيانًا عن أي ردة فعل، هذا الحزن مع شعور التحدي والثبات يخلقان في قلبها غصة، "الأمر متداخل بين الألم والأمل، وهو شعور قاسٍ جدًا" وفق تعبيرها.
وتلفت إلى أن كل اعتقال يعقبه تحقيق لساعات وإبعادٌ لأشهر، ومن صور الاحتلال البغيضة منع شركتين من المواصلات من نقل رحلات إلى الأقصى، لكنها تذهب بشكل دائم إليه، رغم أن بيتها يبعد عنه مسافة 150 كيلومترا.
التوعية الوجاهية
(أ.ع) حارسة ومرابطة في المسجد الأقصى، رفضت ذكر اسمها خوفًا من الملاحقة الأمنية. فهي تستثمر فترات وجودها الدائم في الأقصى في الحديث للمصلين فيه والزائرين له، عن أهمية الرباط والوجود لصد الاقتحامات.
تقول: "من خلال متابعتي على المواقع الإخبارية أعرف بنوايا الاحتلال لاقتحام الأقصى، فأبذل قُصارى جهدي في التوعية الوجاهية عن واجب المقدسيين في الرباط، لكونهم خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى المبارك، وبت أستبعد أي وسيلة أخرى، فأي واحدةٍ منها ستكون تحت رقابتهم"، لافتةً إلى أنها كثيرًا ما تعرضت لاختراق حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي على هذه الخلفية.
وتتهيأ (أ.ع) لصد تلك الاقتحامات بالوجود في المسجد، "فإن غبنا أو استسلمنا سقط الأقصى، ولذلك على كل مقدسي ومقدسية واجب مقدس، وفرض عين بالوجود في المسجد الأقصى باستمرار، حتى لو كان ذلك من باب زيادة سواد المسلمين، تضيف.
وتتابع: "وبحكم أن بيتي قريب جدًا من المسجد الأقصى، فإن أي حدث يقع أستطيع سماعه ومشاهدته عياناً، ومن هنا أنطلق للوجود فيه أملًا في حمايته".
في فترات المناسبات التلمودية، تهيئ نفسها وعائلتها وبيتها لذلك، فتغيب عنهم لساعات طويلة للقيام بواجبها تجاه الدين والوطن، وبعد انتهاء دوامها فيه لا تبرح باحاته، بل تؤدي مهمةً مزدوجة، لكونها من حارسات الأقصى ومرابطاته.
القهر الممزوج بالألم يباغتها دوماً، لكنها تدرك ضرورة تخطي هذا الإحساس، والوقوف في وجه الاحتلال وقطعان مستوطنيه بما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وبما تملك هي والمرابطون معها جميعاً من قدرات محدودة، من أجل الوجود والصمود على أرض المدينة المقدسة.