دللت الأحداث التي تجري على أرض الضفة الغربية أن الشعب الفلسطيني يقاتل أعداءه بكل جسارة، لكن وحيدًا، وبلا قيادة سياسية فلسطينية، وهذه نقطة ضعف يوظفها العدو الإسرائيلي، وينفذ منها لمواصلة تصفية الشباب، وهدم البيوت بأقل الخسائر، فوجود القيادة أمر مهم لكل الشعوب، فالقيادة هي المرشد الفكري والميداني لشباب المقاومة، والقيادة هي التي تأخذ بيد الشباب إلى أقصر الطرق لتحقيق الانتصار.
وحتى يومنا هذا، وبعد 22 سنة على انتفاضة الأقصى، ورغم آلاف الشهداء، وعشرات آلاف الجرحى والأسرى، لم يحقق الشعب الفلسطيني أي منجز سياسي، باستثناء تحرير شوارع غزة ومدنها من المستوطنين وجيش الاحتلال، الذي اكتفى بمحاصرة غزة من الخارج دون ذلك، فالشعب الفلسطيني لم يحرر أرضًا، ولم يطرد مستوطنًا، ولم يوقف عدوانًا، ولم يفرض معادلة سياسية جديدة، وظلت المرحلة الانتقالية من اتفاقية أوسلو تفرض نفسها، وظلت قيادة السلطة التي وجدت لمرحلة انتقالية، هي القيادة الدائمة والمخلدة للشعب الفلسطيني.
22 سنة على انتهاء المرحلة الانتقالية من اتفاقية أوسلو، والشعب الفلسطيني يلهث خلف السراب، فلا سمح له بأن يستقر فوق جزء من تراب وطنه بسلام، ولا هو ظل يعيش على حلم العودة وتحرير كامل فلسطين، ولم يسمح للشعب بأن يخوض حربه ضد محتلي أرضه بالمعنى الكامل للحرب، ليصل إلى الخاتمة التي وصلت إليها كل الشعوب التي ثارت على الاحتلال، ولا سُمح له بأن يعيش بأمن وهدوء حتى في زوايا المدن التي ظلت محتلة.
عشرات السنين والشعب الفلسطيني يقدم التضحيات، ويقدم الشهداء، ويقدم البطولات العجيبة أيضًا، ومع ذلك فلم يقطف ثمرة من ثمار ما قدمه، فلا الشعب توحد خلف هدف تحرير الأرض، ولا الشعب التقى خلف المصالحة والبحث عن لقمة العيش من تحت أحذية المحتلين، ولا الشعب أفرز قياداته الميدانية التي تأخذ بيده إلى طريق الحرية، ولا الشعب انصاع بكل أطيافه إلى قيادة الأمر الواقع، واستسلم لما يمليه عليه الأعداء، شعب يعيش في منتصف الطريق، يبدأ الخطوة، ويتهيأ للقفز، فيأتي من يعرقل رجليه، ويحول بينه وبين إكمال القفز، يتحرك مندفعًا في الاتجاه الصحيح، فيأتي من يحرف مساره، شعب يتطلع إلى البعيد، ويستعد لتحقيق أهدافه، فيأتي من يخطف منه المقود، ويعود به إلى حيث بدأ، بل أكثر بعدًا عن الهدف الذي سعى إليه.
وسيظل الشعب الفلسطيني حائرًا، يقدم التضحيات دون تحقيق الإنجازات، إلى أن يفرز قيادته الحقيقة، قيادته الميدانية، التي تنحت أهدافها من أهداف الشعب، وتعرف واجباتها التي تخدم تطلعات الشعب، قيادة لا ترتبط مع العدو الإسرائيلي بأي اتفاقيات، ولا تسعى للقائه تحت أي من الذرائع الكاذبات، قيادة تحتقر التنسيق والتعاون الأمني، قيادة تنتمى إلى الأجيال الشابة التي لا تعرف الهزيمة، ولم تكسرها طعنات الغدر والخيانة، قيادة تؤثر التضحية بالنفس على التكسب من تضحيات الآخرين، قيادة تتنفس مصالح الناس، وتخضع لها، وتنسى مصالحها الشخصية، قيادة فلسطينية تتمسك بالثوابت والحقوق، وتؤمن أن هذه الأرض فلسطينية، وأن هذا العدو غازٍ محتل، لا مكان له فوق الأرض، ولا طريقة للتواصل معه إلا من خلال فوهة الرشاش، وما دون هذه القيادة، سيمشي الشعب الفلسطيني على الطريق المتعرج نفسه الذي رافق كفاحه سنوات طوال، يصعد بمقاومته يومًا، لينكفئ تحت ضربات المؤامرة أيامًا.