فلسطين أون لاين

تقرير قرنيّتا الشهيد "عزام" تعيدان الإبصار لشابين غزيّين

...
نجاح عمليات جراحية لزراعة القرنية وعودة الإبصار لشابين (تصوير: محمود أبو حصيرة)
غزة/ أدهم الشريف:

استعاد شابَّان بصريهما بعد عملية جراحية أُجريت لهما على يد الأطباء في غزة، في واحدة من العمليات المعقدة التي ليس من المعتاد إجراؤها.

وعانى الشابان محمد حمدان من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وعلاء ريحان من بيت لاهيا شمالي القطاع، من أمراض مختلفة في عينيهما سنوات طويلة، جعلتهما غير قادرين على الإبصار، وحرمتهما ممارسة حياتهما الطبيعية والاندماج مع المجتمع.

ونجح فريق من الأطباء، أمس، بزراعة قرنيّتي الشهيد وسيم عزام (26 عامًا) للشابين، بموافقة عائلته.

وكان الشاب حمدان (20 عامًا) قد أُصيب بحمى شوكية عام 2014، تسبّبت آثارها بفقدانه البصر في العين اليسرى، وترك تداعيات خطِرة على اليمنى، ومنذ ذلك الحين لم يترك وعائلته طريقًا للعلاج واستعادة بصره إلا سلكوه لكن دون جدوى، وأصبح بحاجة ماسّة إلى قرنية لاستعادة البصر.

وكذلك الحال بالنسبة للشاب ريحان (21 عامًا) الذي يعاني منذ الصغر من "القرنية المخروطية"، وهي "حالة بروز القرنية إلى الأمام بشكل مخروطي عندما تصبح ضعيفة وأقل سمكًا ولا تستطيع المحافظة على شكلها الطبيعي، ما يؤثر في الرؤية ويُسبّب قصر النظر".

وبقدر المعاناة التي تجرّعها الشابان وعائلتاهما خلال السنوات الماضية، بقدر ما بدوا فرحين بنجاح عملية زراعة القرنية لكل منهما.

وشارك في إجراء العملية فريق من الأطباء المتخصصين يعملون في وزارة الصحة، منهم د.حسام داود الطبيب الرئيس في إجراء العملية، وهو استشاري أول طب وجراحة العيون.

وبيَّن داود لصحيفة "فلسطين" أنها المرة الخامسة التي يزرع فيها أطباء قرنية لمرضى في غزة، بتبرع ذاتي.

وأفاد بأنّ المريض الذي زُرعت له القرنية بإمكانه الرؤية بعد العملية بساعات، لكن لن تكتمل الرؤية فيها بشكل كامل، فالأمر بحاجة إلى وقت، مشيرًا إلى أنّ تقييم الأطباء لحالة المريضَين حمدان وريحان، يكون بعد عام كامل من إجراء العملية.

وأهم شيء بعد إجراء العملية، كما يقول داود، عدم الإصابة بالتهابات في العين التي أُجريت فيها العملية، وعدم رفض الجسم القرنية المُتبرّع بها، منبهًا إلى ضرورة عدم وجود أسباب مرضية تنقل عدوى من المتوفى إلى المريض، أو إصابات سابقة أدت إلى تلف في أنسجة القرنية.

وقد كانت أول عملية زراعة قرنية من متبرع محلي عام 2013، بحسب داود. ولفت إلى أنّ نسبة نجاح عمليتي زراعة القرنية وعدم رفض جسمَي المريضين لها تُقدّر بـ80 بالمئة.

وكان سمير عزام، والد الشهيد وسيم، تلقّى خبر استشهاد نجله بعد محاولات حثيثة من الأطباء لعلاجه إثر حادث عرضي تعرَّض له في بحر غزة.

وبيّن لـ"فلسطين" أنّ نجله أُصيب في 15 سبتمبر/ أيلول الحالي بإصابات خطِرة تمثّلت بجروح حادة في الرأس، وكسر في العنق، وكسر في الفقرتين الرابعة والخامسة من العمود الفقري، وبتر في النخاع الشوكي، عندما كان يسبح في بحر غزة.

وبيَّن أنّ سلطات الاحتلال رفضت نقل وسيم إلى مستشفيات الداخل المحتل، كما لم يتمكن الأطباء من نقله إلى مصر بسبب المسافة البعيدة بين غزة والقاهرة، خشية من تدهور حالته أكثر.

وأشار إلى أنّ وسيم بقي على أسرَّة العناية المركزة إلى حين إعلان وفاته في 23 من الشهر نفسه، مضيفًا أنه بعد تلقيه خبر استشهاده "اقترح عليَّ المدير العام بوزارة الصحة، ورئيس لجنة التواصل المجتمعي فيها د.منير البرش التبرع بقرنيّتيه، ووافقتُ فورًا دون تردد بعدما أخذت رأيَ والدة الشهيد وزوجته".

ووصف هذه المبادرة بأنها "إنسانية"، مضيفًا "أُتابع جيدًا مع الوزارة والأطباء جميع التطورات، وغمرت الفرحة قلبي عندما رأيت الشابَّين حمدان وريحان بعد العملية".

وأكمل: "إذا استُشهد ابنٌ آخر لي سأتبرع بأعضاء جسمه حتى يستفيد منها المرضى الذين هم بحاجة إلى أعضاء ليس باستطاعتهم توفيرها".

وحسبما يفيد مدير وحدة نقل وزراعة الأعضاء في وزارة الصحة محمد شتات فإنّ 120 وصية تقدَّم بها متبرعون بقرنيات لوزارة الصحة لنزعها والاستفادة منها لصالح مرضى بحاجة ماسة إليها، كصدقة جارية.

وبيَّن شتات لـ"فلسطين" أنّ عدد مرضى القرنيات الذين بحاجة إلى زراعة في غزة يتراوح بين 250-300 مريض سنويًّا، وهذا العدد في تراكم مستمر.

وقال: يتواجد حاليًّا أكثر من 500 حالة مرضية بحاجة إلى زراعة قرنيات، مؤكدًا أنّ التبرع الذاتي بها بعد الوفاة يحل مشكلة كبيرة للمرضى الذين يعتمدون على الاستيراد الخارجي.

وأوضح أنّ نجاح فريق الأطباء المتخصص في نزع القرنية من متوفى وزراعتها لمريض يُشكّل إنجازًا لهم ولوزارة الصحة، مُنبّهًا إلى صعوبة إجراء زراعة أعضاء أخرى منزوعة من متوفّين وخاصة الكلى التي يحتاجها المصابون بالفشل الكلوي، وهذا بسبب عدم وجود إمكانيات لوجستية بغزة لإجراء هذا النوع من العمليات.

وذكر أنّ عمليات زراعة القرنية لا تحتاج إلى تطابق أنسجة بسبب خلوها من الدماء.

وفي 7 سبتمبر الحالي، تبرع رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة سلامة معروف، بقرنيّتَيه، لمرضى العيون بعد وفاته، في خطوةٍ لاقت ثناءً وترحيبًا كبيرَين.

وكتب معروف حينها على حسابه في موقع "فيس بوك" عن أهمية "زرع ثقافة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وهو أمر جائز شرعًا بإجماع العلماء"، مُضيفًا "لا تتردّدوا وكونوا سببًا في إنقاذ الآخرين وإسعادهم".