تتوجه عدة حافلات تقل فلسطينيي الداخل المحتل، يومَي الجمعة والسبت من كل أسبوع، إلى الرباط في المسجد الأقصى المبارك، ضمن حملة "قوافل الأقصى" المستمرة، بهدف الرباط في باحاته والصلاة فيه، في وقتٍ تتزايد فيه اقتحامات المستوطنين للأقصى.
وتعود فكرة "قوافل الأقصى" إلى عدة سنوات، حيث عكفت الحركة الإسلامية خاصة، وأهالي الداخل المحتل عمومًا، على تسيير تلك القوافل، في سبيل تعزيز الوجود العربي والإسلامي في مدينة القدس، ومنع استفراد الاحتلال بها.
وتؤكد هذه الرحلات، حسبما يرى باحثان تحدّثا لصحيفة "فلسطين"، على حجم الوعي لدى أهالي الداخل المحتل وارتباطهم بقضيتهم، التي لم يضلوا طريق العودة إليها، رغم كل محاولات الاحتلال لطمس الهوية الفلسطينية وتحييد دورهم، فباتوا "قنبلة موقوتة" تؤرّقه.
بُعد إستراتيجي
ويرى الباحث في شؤون القدس ناصر الهدمي أنّ البعد الإستراتيجي لأهل مدينة القدس والعمق الخاص بهم هم الشعب الفلسطيني وأهل الداخل المحتل الذين يُشكّلون داعمًا أساسيًّا لأهل القدس، فلم يتركوهم يواجهون مخططات الاحتلال وحدهم، وكان لهم دور كبير عبر إرسال حافلات للقدس بدءًا من مصاطب العلم التي رعتها الحركة الإسلامية، ونشاطات عديدة كانوا ينظمونها.
وقال الهدمي لصحيفة "فلسطين": "رأينا أهل الداخل وهم يساهمون بدعم الحركة التجارية داخل المدينة المقدسة، وهذا الواقع الطبيعي في وحدة أبناء الشعب الفلسطيني في الدفاع عن الأقصى".
واعتبر أنّ كلَّ ما جرى خلال العامَين الأخيرَين مظهرًا من مظاهر نُضج الوعي للشعب الفلسطيني، الذي بدأ يتجاوز مرحلة أوسلو وما نتج عنها من مصائب أصابت الشعب الفلسطيني، رغم محاولات الاحتلال تحييدهم في كل الطرق وإبعادهم عن عمقهم العربي.
ولا شك أنّ الاحتلال، وفق الهدمي، ينظر بخطورة كبيرة لأهل الداخل المحتل ويرى فيهم "قنبلة موقوتة" يتخوّف من تحول هؤلاء إلى ثوار في وجه الاحتلال يطالبون بحقوقهم الوطنية، بعد فشل تحييدهم ومحاولته حصر مطالبهم بشؤون الحياة اليومية، وهذا واضح في مشاهد عنف شرطة الاحتلال في تعاملهم مع أبناء الداخل في الصدامات التي حدثت في مايو/ أيار 2021.
وتسير جمعية الأقصى ما معدله 200 حافلة شهريًّا، وفي شهر رمضان المبارك يزيد عدد الحافلات إلى نحو 1500 حافلة، فيما يصل عدد شادِّي الرحال خلال الشهر الفضيل لما يزيد على 200 ألف من الداخل.
وفي شهر رمضان المبارك يتنافس منظمو رحلات شد الرحال للأقصى من الداخل المحتل، وهذا الدور يجعل أعداد المصلين في الأقصى تصل إلى 150 ألف مُصلٍّ وأكثر.
استعادة الهوية
لكن الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، يقول: إن "القائمين على هذه الحافلات يحاولون استثمار المساحة الممكنة قانونًا بعد التضييق على الحركة الإسلامية وحظرها، فأي مساحة تستطيع أن تستجمع القوة الشعبية وتستنفرها للتواجد بالأقصى شيء مهم، فبدون التواجد الشعبي سيجري الاستفراد به".
وأشار ابحيص لصحيفة "فلسطين" إلى أن هذا الدور مهم في كل الفترات، بداية في حملات "الفجر العظيم" والاعتكاف في شهر رمضان، وبعض المناسبات، مستدركًا: "لكن ورغم ذلك هي تحتاج أن تخرج من الحالة الروتينية إلى حالة مجدية، فمثلًا مواجهتها للاقتحامات يحولها إلى حالة مجدية أكبر مما يتطلب إلى استنفار وفعل أكبر في هذا الإطار".
ويؤكد أن رباط أهل الداخل في الأقصى له أثر عميق في استعادة الهوية العربية والإسلامية واستعادة الموقف، ويقربهم من مشاهدة الاحتلال كمحتل، وتعامل وممارسات شرطة الاحتلال مما يبعدهم عن فكرة التعايش مع الاحتلال أو الاندماج معه.
وأشار ابحيص إلى أن ذلك كان واضحًا في "هبة الكرامة" والرحلات المختلفة التي ينظمها أهل الداخل، وقد يتطور ارتباطهم المركزي بالمسجد الأقصى، الأمر الذي له تداعيات عميقة الأثر في الحفاظ على هويتهم الفلسطينية.