تعد قضية القدس والمسجد الأقصى من القضايا المحورية، وهي من أكثر القضايا حساسية في المعركة القانونية مع الاحتلال الإسرائيلي، بل ربما هي أعقد وأهم وأصعب القضايا وذلك لارتباطها بالتنظير الأيديولوجي للصراع مع المحتل، فالقدس تشكل نواة وبوصلة الحقوق للشعب الفلسطيني، وهي العمق والملمس الثقافي والديني لكل المسلمين في العالم، ويعد التهاون في الدفاع عنها هو خرقًا لكل الثوابت والمرتكزات الدينية والحقوقية الأصيلة للشعب الفلسطيني وللمسلمين، لذلك كان يجب أن يرتقي الاشتباك القانوني لدى الحقوقيين والقانونيين إلى اشتباك حقيقي سواء على صعيد القانون الدولي أو القانون المحلي والحقوق الخاصة.
إن الناظر لما يحدث في المسجد الأقصى والمدينة المقدسة من انتهاكات وسياسات تهويدية واقتحامات متكررة من قطعان المستوطنين والمتطرفين الذين يطلقون على أنفسهم "جماعات الهيكل المزعوم" بغطاء من الساسة وحماية من قوات الجيش والشرطة، هو استمرار لمخططهم القديم الجديد بفرض السيادة على القدس والذي يعد خرقًا واضحًا وصريحًا لمبادئ القانون الدولي ولقيم القانون الدولي الإنساني، وهذا يتطلب التفكير الجاد بتشكيل جسم قانوني وحدوي من آليات قانونية وفلسطينية وعربية، وذلك للتصدي لمخططات الاحتلال بتهويد القدس، منطلقًا من أساس القيم الإنسانية والقانونية لقرارات الأمم المتحدة بأجهزتها كافة الفرعية والرئيسة التي ما زالت لا تعترف بسيادة الاحتلال على القدس ولا تعترف بالإجراءات التي تستهدف تغيير الوضع القائم وتنفيذ مخطط الضم والسيطرة على المدينة المقدسة، وكذلك ما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي أعاد تأكيد عدم قانونية إجراءات سلطات الاحتلال الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإن كانت سلطات الاحتلال قد أهملت القرار واستمرت في توسعها الاستيطاني وتهويد الأراضي الفلسطينية، إلا أن هذا القرار إلى جانب غيره من القرارات مثل قرار مجلس الأمن رقم 446 لسنة 1979، إضافة إلى قرار رقم 452 للعام نفسه، الذي قضى بوقف الاستيطان في القدس وعدم الاعتراف بضمها، وهي في مجملها قرارات تؤسِّس، لأن يصبح البطلان القانوني للإجراءات الإسرائيلية مبدأً من مبادئ القانون الدولي، الذي سوف يُرتب مسؤولية لسلطات الاحتلال عن ممارساتها المخالفة للقوانين الدولية في الأراضي الفلسطينية. يؤكد القانون الدولي والقرارات الصادرة عن الهيئات الدولية ومنها الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، أن الوضع القانوني لمدينة القدس يعد أرضًا محتلة، وأن التدابير الإسرائيلية المتخذة في المدينة وخصوصًا بعد ضمها عام 1967 باطلة من الناحية القانونية ومخالفة لأحكام القانون الدولي، وأن كل الإجراءات التي اتخذتها دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب حزيران 1967 لتأكيد السيادة على كل القدس كانت محل رفض وشجب متكرِّر من قبل الأمم المتحدة وليس لها أي أثر قانوني، وعليه فإن أي قرار أو تصويت أو خطاب رسمي من قبل هيئات الأمم المتحدة أو أي خطاب دولي يتعلق بمدينة القدس يزعج الاحتلال كثيرًا لحساسية القضية، ولما تحمله القدس من دلالات تاريخية وإسلامية هذا هو الأساس القانوني الذي يجب أن نبني عليه وننطلق من خلاله المعركة القانونية مع المحتل.