فلسطين أون لاين

رسائل لبيد من خطابه في الأمم المتحدة

انشغل الإسرائيليون انشغالًا لافتًا بالخطاب الذي قدمه رئيس الحكومة يائير لبيد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد حظي بهذا الاهتمام في ضوء جملة من العوامل، أولها ما تخلل الخطاب من دعوة لافتة لتطبيق حل الدولتين مع الفلسطينيين، وثانيها تزامن الخطاب مع حملة انتخابية حامية الوطيس، وأخيرًا حجم ردود الفعل المؤيدة والمعارضة للخطاب.

ليس سرًّا أن لبيد، مثل أسلافه، يستغل الساحة الدولية لأغراض حزبية داخلية، في حين أن إحياءه للحديث عن القضية الفلسطينية يمثل نداءً للناخبين اليساريين رغبة منه باستجلاب أصواتهم، فضلًا عن محاولته إيجاد شرخ في "المعسكر الوطني" لاستقطاب بعض من مصوِّتيه، وقبل ذلك وبعده، التعويل على الحصول على تأييد الناخبين من فلسطينيي الداخل.

مع العلم أن دعوة لبيد لدعم حل الدولتين لن تؤدي على الأرجح إلى مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية، التي لم تبدِ تفاعلًا بذلك، ربما نتيجة لقراءة سياسية واقعية للعوامل الثلاثة الواردة أعلاه، ولا سيما أن لبيد لم يتبع دعوته إلى إقامة دولة فلسطينية، بلقاء يجمعه مع أبو مازن. 

القراءة الإسرائيلية للتبعات المتوقعة لخطاب لبيد، أنه تزامنًا مع استمرار التوترات الأمنية، وتصاعدها في موسم الأعياد اليهودية، فإن الرؤية التي قدمها في خطابه حول حل الدولتين، ستدفن قريبًا في عناوين الأخبار، بل قد تصبح موضع سخرية في مقاطع الفيديو السلبية لحزب الليكود، بإظهار لبيد متحالفًا مع أبو مازن والنواب العرب في الكنيست.

تجدر الإشارة أن بنيامين نتنياهو الذي وصف خطاب لبيد بالضعف والتراجع أمام الفلسطينيين، هو ذاته الذي وقف قبل ست سنوات مضت أمام الأمم المتحدة، وأعرب عن دعمه لحل الدولتين، والغريب أنه بإنجليزيته الطليقة واصل خداع المجتمع الدولي بترديده هذه الدعوة، لكنه بعبريته الأم واصل الوعد بعدم قيام دولة فلسطينية، صحيح أن لبيد حاول تمييز نفسه عن سلفه، لكنه مثله تمامًا استخدم المسرح الدولي لأغراض سياسية داخلية. 

في الوقت ذاته، لم يبتعد خطاب لبيد في القضايا الإستراتيجية المهمة مثل إيران والنزاع مع لبنان حول المياه والغاز ومستقبل التعامل مع المقاومة، عن رسائل نتنياهو، مع اختلاف في الأسلوب والمفردات، مع حرصه اللافت على أن يعقد سلسلة لقاءات مع زعماء المنطقة، ولا سيما الرئيس التركي أردوغان والملك الأردني عبد الله الثاني، وهما اللذان يحتفظان بذاكرة سلبية عن نتنياهو، ولم يتوانَ الطاقم المحيط بلبيد عن بث صوره معهما أولًا بأول إلى الإعلام الإسرائيلي.

الخلاصة أن خطاب لبيد يمكن عدُّه جزءًا من حملة انتخابية داخلية، وفي الوقت ذاته رغبة منه باستقطاب تأييد دوائر القرار الدولي نحوه، صحيح أن الانتخابات الإسرائيلية شأن داخلي بامتياز، لكن من قال إن واشنطن مثلًا لا تتدخل في بعض تفاصيلها!