في جانب لا يحوز كثيرًا من المتابعة الإعلامية والبحثية لدى المحافل الإسرائيلية والدولية، يظهر أن الانشغال في الموضوع النووي الإيراني يحقق مزيدا من المحركات لزيادة الميزانية العسكرية والأمنية في دولة الاحتلال، سواء استعدادا لهجوم محتمل على إيران، أو من أجل زيادة الردع، والتحضير لموقف تكون فيه إيران دولة نووية، وبالتالي ففي كل الأحوال تظهر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مستفيدة من هذا الوضع، لأنها تعتبر التصدي لإيران ذريعة لسحب المزيد من ميزانية الدولة.
لعل عشرين عاما مضت تقريبا هي المدة الزمنية التقديرية التي تبدي فيها دولة الاحتلال انشغالا حقيقيا وملحًّا بالموضوع الإيراني، بشقيه: النووي والصاروخي، وخلال هذه المدة استغل المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي ما تصفه بـ"التهديد" الإيراني لتخصيص الأجندة العامة والميزانيات الضخمة على حساب شرائح أخرى من المجتمع الإسرائيلي.
بلغة الأرقام، تبلغ الميزانية العسكرية التراكمية الإسرائيلية السنوية نحو 100 مليار شيكل، ربع ميزانية الدولة، فيما حصل الموساد والشاباك على زيادة ضخمة في ميزانيتهما منذ عدة سنوات لدرجة مضاعفتها، من 5 مليار شيكل لهما إلى عشرة مليارات، ومن المتوقع أن يطلب الجيش 3-5 مليار شيكل أخرى من أجل الاستعداد للتهديد الإيراني.
اليوم، وبينما نقترب من نهاية عام 2022، يتحضر الإسرائيليون للشروع في مناقشة ميزانية الدولة لعام 2023، وليس سرّا أن المجمع الصناعي العسكري يعرف جيدًا الجدول الزمني لتوزيعات المال العام، ومتى يجب البدء في ضخ العناوين المخيفة إلى وسائل الإعلام للضغط على الخزانة لتحويل المزيد من الأموال إليها، وكأن كل هيئة أمنية وعسكرية إسرائيلية تتصرف مثل شركة تجارية.
الخلاصة الإسرائيلية أنه مع اتفاق نووي أو بدونه مع إيران، فإن المؤسسة العسكرية والأمنية تبدو الأكثر استفادة، فإذا كان هناك اتفاق سيقولون للخزينة الإسرائيلية أن هناك قنبلة إيرانية في الطريق، والمال ضروري لتنفيذ الهجوم، وإذا لم ينجح الهجوم، فالأموال مطلوبة لمزيد من التحضير لمواجهة الترسانة الصاروخية الإيرانية، أما إذا لم يكن هناك اتفاق، فسيقولون نفس الشيء.
مع العلم أن الجهات الأمنية والعسكرية المستفيدة من هذا الوضع بجانب مؤسسة الجيش، وأهمها أجهزة الموساد والشاباك وأمان، بجانب الصناعات التسلحية، كلها تستفيد من خطاب الحرب ضد إيران، والمال العام الذي يتدفق إليها في أعقابه، بزعم أن إيران في الأساس تعتبر مشكلة أمنية عسكرية أمام دولة الاحتلال، وبالتالي فلا يوجد شك في أن دولة تطور أسلحة نووية ستحرم الأخيرة من ميزتها الرئيسية في الشرق الأوسط باحتكارها لهذا السلاح.