لم يكن الإسرائيليون بحاجة إلى عملية حاجز الجلمة قرب مدينة جنين التي وقعت فجر الأربعاء، وأسفرت عن مقتل ضابط في جيش الاحتلال، واستشهاد اثنين من المقاومين، للتأكيد على أن الأوضاع الميدانية السائدة في الضفة الغربية تشكل البيئة الأكثر ملاءمة لاندلاع الانتفاضة الشعبية الثالثة.
صحيح أنه لا يوجد حتى الآن اندلاع شعبي واسع النطاق، لكن في الممارسة العملية، وفق الرؤية الإسرائيلية، فإن المعطيات تتحدث عن نفسها، من حيث أن الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، ربما يكونان في الطريق لأن يصلا نقطة اللاعودة قبل الانفجار الكبير، المتمثلة باندلاع الانتفاضة الثالثة.
في هذه الحالة، يستذكر الإسرائيليون الأحداث التي سبقت الانتفاضتين السابقتين: انتفاضة الحجارة في ديسمبر 1987، وانتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، واليوم يحاولون إجراء مقارنة بين تلك الأحداث وما تشهده الضفة الغربية اليوم من عمليات فدائية وهجمات مسلحة تستهدف جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين.
هنا قد تختلف الوقائع بعض الشيء من حيث فرضية تراجع المدّ الشعبي لأي انتفاضة قد تندلع، بعكس انتفاضة الحجارة، لصالح العمليات المسلحة، كما كان في انتفاضة الأقصى، رغم أن هذه الفرضية قابلة للنقض في حال حدوث أي تطور مفاجئ، خارج الحسابات الإسرائيلية.
ليس واضحا لدى الإسرائيليين، على الأقل حتى كتابة هذه السطور، كيف ستبدو طبيعة الهبّة الفلسطينية القادمة، بغض النظر عن مسمّاها الإسرائيلي، لكن الخلاصة السائدة في أوساطهم أن ما هو قادم في مقتبل الأيام يؤكد أن الوضع الميداني في الضفة الغربية يتسارع، ويحمل زخماً متصاعدا.
في الوقت ذاته، فإن قيام الاحتلال بحدث كبير قد يتسبب بانفجار شعبي فلسطيني كتعبير نهائي عن "الانتفاضة"، من شأنه أن يسعى لتقويض الواقع الناشئ في الضفة الغربية في مرحلة ما بعد 2007، من حيث إحكام السيطرة الإسرائيلية على مقاليد الأمور فيها، وما تخلل ذلك من جمود المسار السياسي من جهة، وملاحقة قوى المقاومة من جهة أخرى، وشيوع مشاريع السلام الاقتصادي واتساع رقعة صلاحيات الإدارة المدنية، وقبل ذلك وبعده زيادة مستوى التنسيق الأمني بصورة غير مسبوقة مع وجود عدوّ مشترك، وهي المقاومة وقواها الحية.
أيّاً كانت طبيعة ما تحمله الضفة الغربية من وقائع ميدانية في قادم الأيام، فمن الواضح أن الإسرائيليين أمام تحدٍّ جديد لمنظومتهم القائمة، وقد تكون انتفاضة نموذجية جديدة من حيث خصائصها، ومدتها، وسقفها الزمني، وصورة منفذي العمليات فيها، من حيث عدم تحديد هويتهم التنظيمية، وانتشار مساحات هجماتهم في كافة مناطق الضفة الغربية، رغم تركزها اليوم في شمالها فقط، حيث نابلس وجنين.