منذ نهاية الشهر الحالي وحتى أواسط الشهر القادم ستواجه المسجد الأقصى موجة انتهاكات مستمرة ومتصاعدة، وقد باتت ملامحها واضحة، في ظل الدعوات المحمومة لجماعات الهيكل ومحاولاتها حشد اقتحامات غير مسبوقة خلال الأعياد اليهودية المختلفة.
هذا الإصرار الصهيوني على المساس بالمقدسات الإسلامية، انتهاكاً وتهويداً ومحاولات سيطرة ليس غريبا، حتى مع مخاوف المنظومة الأمنية الصهيونية من أن تتسبب الاقتحامات في إشعال انتفاضة جديدة في الضفة الغربية والقدس يصعب إنهاءها أو التصدي السريع لامتداداتها، ذلك أن القدس كانت وستظلّ عنوان معركتنا الأبرز -فلسطينيين وعرباً ومسلمين- مع هذا الكيان، وهو اليوم محتاج لشحن الجمهور الصهيوني بخرافة الهيكل لأجل تدعيم أركان مشروعه، وصنع قضية تثير حماسة الجمهور الإسرائيلي وتضمن اصطفافه الدائم خلف الشعارات المتطرفة لهذا المشروع، حيث لا مكان للتسويات، بل لكل ما يؤجج مشاعر الاستفزاز والتحفّز والعداء للوجود الفلسطيني، وفي قلب ذلك المقدسات الإسلامية.
فلسطينيا، لا يجوز أن تصبح هذه الانتهاكات أمراً معتادا، فاعتيادها والتعامل السلبي مع إفرازاتها وتطوراتها سيغري المحتلين بتنفيذ المزيد منها، وصولاً إلى إفقاد المسجد الأقصى خصوصيته الإسلامية وجعله مزاراً يجري فيه التقسيم الزماني والمكاني، وعدّه هيكلاً حتى مع احتفاظه بالمساجد الإسلامية داخل مساحته.
صحيح أن المسجد الأقصى ظلّ منذ الاحتلال الصهيوني مفجراً لكثير من الهبّات والانتفاضات (مثل هبة النفق 1996، انتفاضة الأقصى 2000، هبة القدس 2015، اعتصام باب الأسباط 2017، معركة سيف القدس 2021) وارتبطت به كثير من عمليات ورمزيات المقاومة الفلسطينية، المنظمة والفردية، وصحيح أن الاعتداء عليه يمكن أن يتحوّل إلى صاعق تفجير في أي وقت، وحتى في اللحظات المصنفة بأنها الأكثر سكوناً أو الأقل قابلية للثورة، وصحيح أن هناك تنبهاً إعلامياً وعلى مستوى الفصائل الفلسطينية لما سيجري ابتداءً من السادس والعشرين من أيلول الجاري، أي بالتزامن مع ما يسمى برأس السنة العبرية، إلا أن كل هذا لا يُغني عن ضرورة رفع وتيرة التوعية والتعبئة خلال الأيام القادمة، وضرورة أن تتحول قضية المسجد الأقصى إلى القضية الأولى، في التناول والاهتمام والتركيز، إعلاميًّا وسياسيًّا وشعبيًّا، وعلى صعيد الاستعداد بأشكاله كافة، ودونما حاجة لرفع سقف التهديدات من أي جهة، فحامل الواجب والقائم به يدع أفعاله تتحدث عنه قبل أقواله.
لكنّ رفع حالة التأهّب والاستعداد لعموم الجمهور الفلسطيني، وتهيئته للاندماج في هذه القضية والنظر لها بجدية، يتطلّب تعبئة مركزة ومتواصلة، فالتفاعل مع أي قضية ينبغي أن يسبقه وعي بأهميتها وما يحيق بها من مخاطر، وهذا يتطلب مناخاً تحضر فيه قضية المسجد الأقصى وتغدو حديث الناس ومدار اهتمامهم.
ولعلّ المنابر الإعلامية المختلفة، ومنصات الإعلام الاجتماعي، إضافة إلى المحاضن التربوية والتعليمية والمساجد، كلها مطالبة بأن تقود حملة التوعية والتعبئة المتعلقة بالمسجد الأقصى، قبل الاقتحام وليس بعده، وأن تساهم في صناعة مانع لتمادي الاحتلال، عبر إبداء الاستعداد والتأهب، وليس فقط أن تنتظر الانتهاك الصهيوني لتعلّق عليه، أو تغرق في مناداة عبثية للعرب والمسلمين، وفق أنماط الخطاب المكرورة ذاتها، فيما العامل الحاسم الفاعل يكمن في أكناف المسجد الأقصى وعموم فلسطين.