في الثاني عشر من سبتمبر ٢٠٠٥م، كان انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة، مع تفكيك المستوطنات، وإجلاء المستوطنين منها. قرار الانسحاب، أو قل بلغة أدق قرار فكّ الارتباط كما أسماه شارون كان قرارا منفردا لحكومة شارون، وكان قد عرض خطته لفك الارتباط في عام ٢٠٠٣م، وبعد سنتين حصل على موافقة الحكومة.
لماذا أسماه شارون فكّ ارتباط ولم يسمه انسحابا؟ الجواب يكمن في رؤية شارون الصهيونية التي ترى قطاع غزة جزءا من دولة (إسرائيل)، وفكّ الارتباط يعني أنه لا يتخلى عن هذه الرؤية الاستراتيجية، وكلمة الانسحاب تحمل معنى التخلي، وأن قطاع غزة أرض محتلة، وليست أرضا إسرائيلية، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن فكّ الارتباط يعني استبقاء مسؤوليات محددة لحكومة (إسرائيل) على قطاع غزة، والانسحاب لا يعني ذلك، ويعني أن قطاع غزة يتحمل مسئولياته كلها بنفسه.
وهنا أودّ بعد (١٧) عاما من فكّ الارتباط أن أقول إن يافطة كبيرة كانت معلقة على بوابة نيتساريم مكتوب عليها بالعبرية :( نيتساريم كتل أبيب). أي هي أرض إسرائيلية لا يمكن التنازل عنها، كما لا يمكن تنازل اليهود عن تل أبيب. هذه المقولة الدعائية استهدفت إضعاف معنويات سكان غزة، وبالذات المقاومين، ومع ذلك تمكنت المقاومة، وبعد استخدامها سلاح مدفعية الهاون، والأنفاق، من إجبار شارون على قرار فكّ الارتباط، أو الانسحاب بالتسمية الفلسطينية.
وما أودّ قوله أيضا أن هذا الحدث الكبير الذي كان في سبتمبر ٢٠٠٥م ليس حدثا يتيما لا يمكن أن يتكرر في مناطق من الضفة الغربية، بل العكس هو الصحيح إذ يمكن أن يتكرر في شمال الضفة، وفي جنوبها، بشرط أن تتعاظم أعمال المقاومة ضد الاحتلال والاستيطان، كما تعاظمت في غزة عشية الانسحاب، وهذا يتطلب أمرين:
الأول أن ترفع سلطة الحكم الذاتي يدها الثقيلة عن المقاومين. والثاني أن تنشط المقاومة وأن ترفع كلفة بقاء الاحتلال والاستيطان. وتشير آخر التقارير أن المقاومة بدأت تستعيد عافيتها، وتزيد من أنشطتها، وأن حالة من القلق باتت تسكن حكومة الاحتلال، وهي حالة تشبه تلك التي سكنت شارون وحكومته، وبقي الشرط الأول بألّا تعود السلطة لمتابعة أعمال المقاومة وإحباطها، إذا تحقق هذا سيتكرر الانسحاب، أو فك الارتباط لا محالة في فترة قريبة.