السؤال الملح بكثرة هذه الأيام، بعد ما حققه المقدسيون؛ من إنجاز وانتصار في قضية البوابات؛ هو متى ينفجر بركان الضفة بوجه حكومة الاحتلال بزعامة "نتنياهو" التي تعتقد أنه بالقوة، وبالقوة وحدها يمكن تطبيع وتدجين الضفة بما فيها القدس، وتحقيق أي أمر وإصدار القرارات بصدده، ومن يعترض تكون الشرطة وجنود حرس الحدود وقوات الجيش له بالمرصاد؟.
من يقول إن الضفة ستهدأ ولن يثور بركان غضبها؛ وأن هذا الكلام هو مجرد هواجس وتحليلات في غير مكانها؛ نذكره بقول "وارن سبيلبرغ"، عالم النفس الحاصل على الدكتوراة والباحث ببرنامج "فولبرايت" الأميركي للمنح، والذي يدرِّس حاليًا بجامعة "نيو سكول" للأبحاث بمدينة نيويورك؛ والذي يقول فيه بأن تقدم الظروف القائمة، الاجتماعية والنفسية السامة، وفقدان الأمل في أي عملية سلام مُستدام، خلفية لفهم غضب واحتجاجات الشباب القاطنين بالقدس المحتلة؛ تلك ظروفٌ قابلة للاشتعال وستستمر في صبِّ الزيت على نار أي حريقٍ يتعلَّق بالسيادة الفلسطينية على المسجد الأقصى.
إذلال التفتيش على حواجز الاحتلال الكثيرة؛ والذي أحيانا يكون بشكل عارٍ؛ كفيل بإشعال المنطقة، فشباب القدس المحتلة يتعرضون له كما هم شباب الضفة، سواء كانوا طلابًا أم كانوا عمالًا، أم كانوا مرضى يريدون الوصول للمستشفيات للعلاج.
حال القدس كما هو حال الضفة؛ من حيث إنه لا أمل في المستقبل وهو ما أكدته دراسة "سبيلبرغ" التي ترى أنه في عموم الأمر، لا يرى شباب القدس مستقبلًا ينتظرهم؛ فبينما يتلاشى أي أملٍ بإقامةِ دولةٍ خاصة بهم أو أي شكلٍ من الاستقلال السياسي، يزداد شعورهم بأن ليس لديهم ما يخسرونه؛ فليس الأمر قاصرًا على كونهم لا يرون ضوءًا في آخر النفق، بل إنَّه لا يوجد نفق، ولا أفق على الإطلاق.
وهكذا عندما يفقد شباب الضفة الأمل في المستقبل؛ حيث كان من المفترض أن تنتج لهم اتفاقية "أوسلو" دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من توقيعها؛ وإذا بها بعد 24 عامًا من التوقيع تحول الضفة إلى دولة للمستوطنين.
هكذا إذًا؛ فإن أكبر عامل ضاغط باتجاه التفجير هو أن الشباب لا يرون أنه يوجد ما سيخسرونه، وهو ما يراه "وارن سبيلبرغ"، في بحثه بقوله: من الحكمة أن نُسلِّم بالظروف الضمنية التي جعلت الشباب الفلسطيني يخاطر بحياته، من خلال تظاهرات غير عنيفة في مجملها، وبالصلاة في الشوارع المحيطة بالمسجد الأقصى.
الدافع الذي جعل شباب القدس يخاطرون بحياتهم هو المسجد الأقصى، وهو ما دفع الشاب عمر العبد لأن يقتل ثلاث مستوطنين في عملية حلميش؛ حيث نرى "سبيلبرغ" يؤكد حقيقة أن حياة شباب القدس وهي نفس حياة شباب الضفة بالمجمل؛ مشبَّعة بالذل، والحرمان، والفرص الضائعة؛ وفي حياتهم الشخصية كما في هويَّتهم الجمعية، فإنَّ الأقصى يمدهم بالشعور بالانتماء، والمقصد، والمعنى.
الاستيطان والإذلال على الحواجز والاعتقالات؛ كلها عوامل ستشكل البركان الغاضب القادم؛ عدا أن عامل المسجد الأقصى وحده والذي هو جزءٌ لا يتجزأ من عقيدة الفلسطينيين الدينية، يبقى عاملًا متحركًا ومستفزًا؛ حيث يجري كل يوم تقريبًا تدنيسه من قبل المستوطنين، وضرب النساء واعتقالهن واعتقال الشبان على أبوابه.
بعد أن حقق المقدسيون نصرهم في قضية البوابات؛ فإنهم أثبتوا أن "السيادة" لهم ويمتلكونها عن جدارة، وهم الجديرون في المحافظة عليها، وهو ما يدفع شباب الضفة لتقليدهم وتكرار إنجازهم ونصرهم في مواقع أخرى مهمة.
ولمعرفة المواد الخام التي ستشكل بمجموعها الغضب الكامن والقابل للانفجار ودون مبالغة أو شطط؛ يرسم "سبيلبرغ" صورة مصغرة عن معاناة المقدسيين حيث يقول بأن الحياة المجتمعية للشباب الفلسطيني قاسية ومخيفة؛ ففي البلدة القديمة وفي الأحياء المجاورة بالمدينة المقدسة، توقِف قوات الأمن الشباب الفلسطيني يوميًا، وتستجوبهم، وتطالبهم بإبراز أوراق هُويتهم؛ وقد احتُجِز العديد من الطلاب ممَّن شاركوا في الدراسة التي أجريناها قسرًا، وشهد معظمهم قوات الأمن تمارس العنف على شبابٍ آخرين.
شباب القدس كما الضفة يعانون أيضًا من فقدان الهُوية؛ فهُم معزولون وفاقدون للاتصال الثابت مع الضفة الغربية، الرئة التي يتنفسون منها؛ والتي تمتلك مصادر أغنى تُقيم هوّيتها الثقافية والدينية، وبحسب "سبيلبرغ" يجد المقدسيون عزاءهم في الإسلام، بصفته منبع الهُوية الوحيد ذي المعنى في حياتهم، كما يجدونه في رمز الإسلام الثابت المسجد الأقصى.
في المحصلة؛ لا يمكن الفصل بين ظروف الضفة الغربية والقدس المحتلة من حيث ممارسات الاحتلال؛ فالاحتلال يمارس الضغط المتواصل على القدس والضفة، وهو ما يجعل جيل الشباب الحالي لا يجدون ما يخسرونه كما قال عمر العبد في وصيته قبل تنفيذه عملية "حلميش"، وهو ما نبه له كتاب ومحليون صهاينة؛ إلا أن "نتنياهو" يصر على غيه وضلاله وظلمة؛ دون الاتعاظ من دروس التاريخ.