فلسطين أون لاين

قناعة إسرائيلية متأخرة بفشل "السلام الاقتصادي"

أثارت مواقف الفلسطينيين الأخيرة على جملة من الخطوات الإسرائيلية قلق المحافل الإسرائيلية التي قدرت أن هذه الخطوات ستلاقي استحسان الفلسطينيين، ولا سيما السفر عبر رحلات جوية من مطار رامون، وتحويل رواتبهم المالية للعمال في (إسرائيل) لدى البنوك الفلسطينية، ما ذكرهم بما قد تكون عليه عواقب محاولة تحقيق مخططات السلام الاقتصادي.

مع أن الإستراتيجية التي قادت دولة الاحتلال بشأن القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة ليست نتيجة اتخاذ مبادرات، أو رؤية مفاهيمية طويلة المدى، بل نتيجة يأس وإحباط بعض صانعي القرار الإسرائيلي من عدم القدرة على الترويج لخطوة إستراتيجية تجاه الفلسطينيين، فضلًا عن عدم اهتمام البعض الآخر بهذه الخطوة من الأساس، أما البعض الثالث فهو موقف غالبية الجمهور الإسرائيلي الذي لا يبدي اكتراثًا بمستقبل الصراع مع الفلسطينيين.

إن عدم اهتمام الإسرائيليين، ساسة وجمهورًا، بالساحة الفلسطينية، وعدم تفهم تأثيراتها بعمق على الساحة الإسرائيلية، دفع بهم للترويج لتحركات مدنية اقتصادية سواء مع قطاع غزة أو الضفة الغربية، انطلاقًا من منطق سياسي أمني يطمح لتحسين ظروفهم المعيشية أملا في إحداث حالة من الاسترخاء الأمني، دون الحاجة لعملية سياسية.

كما أن التوجهات الإسرائيلية الحديثة المسماة "السلام الاقتصادي" تأتي إحياءً لفكرة قديمة مارسها موشيه ديان وزير الحرب في أواخر الستينيات، وبموجبها يجب السماح للفلسطينيين بأن يعيشوا حياة مدنية طبيعية، الأمر الذي من شأنه أن يسمح بعملية تسوية، ولو كانت متوهمة، دون التعامل مع القضايا السياسية المشحونة، بزعم أنه سيكون من الأسهل تشجيع مثل هذا التغيير إن اكتسب بعدًا إقليميًّا.

لم تكتفِ سلطات الاحتلال بهذه الخطوات، بل ذهبت بعيدًا إلى حد السماح للفلسطينيين بالسفر عبر مطار رامون، وتحويل رواتب العمال الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر إلى البنوك الفلسطينية، مع توقعات إسرائيلية مبالغ فيها بصدور ردود فعل فلسطينية متحمسة لهذه الخطوة.

لكن ما حصل من الناحية العملية أن الضفة الغربية شهدت المزيد من المواجهات في الأيام الأخيرة، وسط اعتقاد فلسطيني لم تعد تخطئه العين أن دولة الاحتلال ذاهبة باتجاه تحقيق مؤامرة مصممة من أجل إنقاذ مشروع اقتصادي فاشل من خلال سرقة أموالهم؛ لأن هذه الخطوة تخضع لإشراف مسؤولي المخابرات الإسرائيلية الذين سيستغلون احتياجاتهم.

الخلاصة أن سلطات الاحتلال التي تزعم أن تقديم تسهيلات معيشية واقتصادية للفلسطينيين من شأنه أن يسهم بالفعل في تهدئة أمنية، فوجئت بما شهده قطاع غزة من مواجهة عسكرية أخيرة، واستمرار الاشتباكات في الضفة الغربية، الأمر الذي أثبت عقم هذه المزاعم الإسرائيلية، مع أن الضفة الغربية شهدت هدوءًا أمنيًّا استمر قرابة عقد كامل، حتى في ظل الأزمات السياسية التي لا حصر لها.