فلسطين أون لاين

على دروب الاشتباك

يمكن القول الآن إن هناك تطوراً ملموساً على حالة المقاومة في الضفة الغربية مؤخرا، وخاصة عبر نمط الاشتباك، وتعدد نقاط إطلاق النار التي تستهدف حواجز الاحتلال أو آلياته، أو مركبات المستوطنين، وكان آخرها إصابة اثنين من المستوطنين خلال اقتحامهم ما يُعرف بقبر يوسف في مدينة نابلس فجر أمس.

هذا التطور ما زال بطيئاً نتيجة انكشاف الضفة الغربية أمنياً وشراسة استهداف الاحتلال للعناصر المسلحة أو ذات النشاط الوطني، واستمراره بسياسة جز العشب متعددة الأشكال، وتوجيهه ضربات وقائية ضد العناصر التي يتوقع انخراطها في أعمال المقاومة، يضاف إلى ذلك حملات أجهزة السلطة الفلسطينية ضد أي نشاط مقاوم بكل متعلقاته، ولا أدلّ على ذلك من كون معظم العناصر المستهدفة من الاحتلال بالاعتقال أو الاغتيال هي معتقلة سابقاً في سجون الأجهزة الأمنية، فحملات السلطة ضد النشاط المقاوم تطال كل ألوان طيفه، لأنها في هذه الحالة تهدف لإبطال السلوك المقاوم وتجفيف منابعه ومحاصرة نشاطه، بغض النظر عن الخلفية الفكرية أو التنظيمية لعناصره.

الاحتلال بدوره بات يرى أن نشاطه المكثف على مرّ السنوات السابقة لم يؤدّ إلى تحقيق الهدف الذهبي الذي ما فتئ يحلم به ويسعى إليه وهو إخراج الضفة الغربية من معادلة المقاومة، وجعلها ساحة محيّدة عن أي فعل، وفاقدة للدافعية لاستئناف نشاطها، بفعل الكلفة العالية التي ظنّ أنها قادرة على ثني الشباب عن التضحية، المتمثلة بالاغتيالات والاعتقالات وهدم منازل منفذي العمليات، ولهذا كان معنياً بترسيخ معادلة ردع حديدية في الضفة خلال تعامله مع عمليات المقاومة التي جرت على مدار السنوات الماضية، عبر فتكه بالمنفذين وسرعة وصوله لهم.

وفي الوقت الذي كادت فيه المنظومة الأمنية للاحتلال تطمئن إلى أن حالة الشعور بلا جدوى المقاومة تهيمن على وعي الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية تفاجأت بتبلور حالة جديدة، تتنامى ببطء، وتتجلى بمواجهة متفرقة لعمليات اقتحام الضفة اليومية عبر المشاغلة بإطلاق الرصاص على الآليات المقتحمة، فيما يبدو التطور الأخطر الذي ينظر له الاحتلال بقلق شديد هو تسجيل إصابات في صفوف جنوده ومستوطنيه في بعض الاشتباكات الأخيرة.

منشأ قلق الاحتلال هذا توقعه بمآلات هذه الحالة، وقياساً على تجارب ماضية يدرك أن الأمور يمكن أن تتطور إلى مرحلة العمليات المؤلمة، سواء تلك التي تستهدف الجنود والمستوطنين على الشوارع الالتفافية والحواجز، أو الكمائن، أو غيرها من أنماط أكثر استنزافاً لجبهة المحتل الأمنية وأشدّ تهديداً لمشروعه، وخاصة إذا انتقلت العمليات إلى داخل المدن المحتلة.

لا يمكننا فصل هذه الحالة المتنامية في الضفة عن نتائج وآثار معركة سيف القدس العام الماضي، وما صنعته من إنعاش للوعي الفلسطيني الجمعي، ولعل المتأمل في منشورات ووصايا معظم الشهداء يرى أثر تلك المعركة ورموزها على قناعاتهم وتوجهاتهم، وهو ما عزز فكرة الانتساب للمقاومة بوصفها فكرةً ومشروعاً وطريقاً وبغض النظر عن الألوان التنظيمية لمنتسبيها، ووحدة حال المقاومين في شمال الضفة الغربية تقدم خير دليل على ذلك.

هذا الأثر المترتب على معركة سيف القدس يشبه أثر معركة العصف المأكول عام 2014، وهي التي كان من تجلياتها هبة القدس في الضفة الغربية والقدس عام 2015، وموجة عملياتها الكثيفة، فردية الطابع والتنظيم، مع استنادها إلى فكرة المقاومة، والقناعة بجدواها، وما نشأ عن ذلك من نهوض بواجبها أدركه كثير من الشباب الذين انخرطوا في تلك الهبّة.

وهنا يمكن التفاؤل بأن روح المقاومة في مختلف الساحات الفلسطينية لا يمكن أن تهزم، وتبرز أهمية الرهان عليها في الضفة بقدر خشية الاحتلال منها وسعيه لتقويضها، لكن هذا الرهان يلزم فصائل المقاومة بصون حالة المواجهة والاشتباك، وتطويرها وتخليصها من كل المظاهر السلبية الاستعراضية، وتقليص عوامل انكشافها، وتوجيهها في مسارات مجدية وقابلة للاستمرار، لأن هجمة الاحتلال عليها ستكون عاتية، وسيلجأ إلى إنهائها في أسرع وقت، حتى لا تنفلت الأمور، ولا يتصاعد الفعل المتولّد عن فعل قبله، أو المتأثر برموزه وشخصياته، وما تخطّه من مسارات التأسي والاقتداء.